وإنَّ النفوس قَدْ يقع لها انصراف عن العلم الواحد ، وملال النظر فيه بسبب مشابهة بعض أجزائه لبعض ، فإذا اطلعت النفس على بعضه قاست ما لم تعلم منه على ما علمت ، ولم يكن الباقي عندها من الغريب لتلتذّ به وتدوم على النظر فيه ، وهذا الملال (١) غير محمود للنفس ، فأحسن علاج لدفع الملال عنها انتقالها من باب إلى باب ، ومن حكمة إلى حكمة ، حَتَّى تلتذ باكتسابها من حيث إنَّ لكلّ جديد لذّة.
فجاء بحمد الله كما توخيت منضوجاً بنار الرويّة ، مردّداً على رواق الفكرة ، متضمناً لعجائب ما كتبته ولطائف ما جمعته ، فهو تذكرة يستصحبه الرجل حيث حَلّ وارتحل ، ويقتدي به في مرحلة العلم والعمل ، وعلى الله المعوّل في تيسير ما أردت ، وله الحمد كلّما قمت أو قعدت ، وسمّيته (تُحفة العالِم في شرح خطبة المعالم).
وهذا أوان الشروع في المقصود.
__________________
(١) الملال : أي الملل ، وهو أن تملّ شيئاً وتعرض عنه. (لسان العرب ١١ : ٦٢٨).