منهم الكلام في ترجيح
أحد المذهبين على الآخر ، فوقع الاتفاق على أن يصلُّوا بين يديه ركعتين على مذهب
الشافعي ، وعلى مذهب أبي حنيفة ؛ ولينظر فيه السلطان ويتفكّر فيه ويختار ما هو
أحسن. فصلَّى القفَّال المروزي من أصحاب الشافعية بطهارة مسبغة ، وشرائط معتبرة من
طهارة ، وستر ، واستقبال القبلة ، وأتى بالأركان والهيئات والسنن ، والآداب ،
والفرائض على وجه الكمال والتمام. وكانت صلاة لا يجوِّز الشافعي دونها.
ثُمَّ صلَّى ركعتين على ما جوَّزه أبو
حنيفة ، فلبس جلد کلب مدبوغ ، ولطخ رأسه بالنجاسة ، وتوضّأ بنبيذ التمر. وكان في
صميم الصيف بالمفازة فاجتمع عليه الذباب ، وكان وضوؤه منكوساً معكوساً ، ثُمَّ
استقبل القبلة ، وأحرم بالصلاة من غير نيّة ، وأتی بالتكبير بالفارسية ثُمَّ
قرأ آية بالفارسية (دو برك سبز)
، ثُمَّ نقر نقرتين کنثرات الغراب من غير فصل ومن غير رکوع ، ثُمَّ تشهد وضرط من
غير سلام.
وقال : أيُّها السلطان هذه صلاة أبي
حنيفة. فقال السلطان : لو لم تكن هذه له القتلتك ؛ لأن مثل هذه الصلاة لا يجوزها
ذو دین وأنكر الحنفية أن تكون هذه صلاة أبي حنيفة. وأمر القفّال بإحضار كتب
الفريقين ، وأمر السلطان نصرانياً كاتباً يقرأ المذهبين جميعاً فوجدت على مذهب أبي
حنيفة على ما حكاه القفّال ، فأعرض السلطان عن مذهب أبي حنيفة وتمسَّك بمذهب
الشافعي ، ولو عرضت الصلاة التي جوَّزها أبو حنيفة على العامي لامتنع من قبولها).
انتهى .
ولعلّ هذه الحكاية كرر وقوعها بمحضر
السلطان محمّد المزبور ، وإمام الحرمين أبو المعالي ، وهذا هو الَّذي نقل ابن شهر
آشوب عن جدّه أنه سمعه
__________________