المنهج القويم ، ومع ذلك كانوا في راحة من الخوف بالأمان ، وفي دعة من حوادث الزَّمان ، ولكل منهم وکلاء قوامون بمصالح معيشتهم ونظام دنیاهم ، بحيث لا يعرفون إلاّ العلم وممارسته ، ولم يبرز عنهم من المصنفات في الزَّمان الطويل إلا القليل ، ومن التحقيقات إلّا اليسير ، وإن كان بعضهم خارجاً عمّا ذكرنا ، فلا غرو مع ما كان فيه من تمام التوفيق الموصل إلى غاية مدارك التحقيق.
وكان شيخنا المذكور ـ روَّح الله روحه ـ مع ما عرفت ، يتعاطى جميع مهماته بقلبه وبدنه ، حَتَّى لو لم تكن إلّا مهمّات الواردين عليه ومصالح الضيوف المتردّدين إليه ، مضافا إلى القيام بأحوال الأهل والعيال ونظام المعيشة ، وإتقان أسبابها من غير وكيل ولا مساعد يقوم بها ، حَتَّى أنه ما كان يعجبه تدابير أحد في اُموره ، ولا يقع على خاطره ترتیب مرتّب لقصوره عمّا في ضميره.
ومع ذلك كلّه فقد كان غالب الزَّمان في الخوف الموجب لإتلاف النفس والتستر والاختفاء الَّذي لا يسع الإنسان معه أن يفكّر في مسألة من الضروريات البديهية ، ولا يحسن أن يعلّق شيئاً يقف عليه من بعده من ذوي الفطن النبيهة.
وسيأتي ـ إن شاء الله ـ في عدّ تصانيفه ما ظهر عنه في زمن الخوف من غزارة العلوم المشبهة بنفائس الجوهر المنظوم ، وقد برز عنه مع ذلك من التصنيفات والأبحاث والتحقيقات والكتابات والتعليقات ما هو ناشٍ عن عين فکر صافٍ ، وغارف من بحار علم وافٍ ، بحيث إذا فكّر مِنْ تفكَّر في الجمع بين هذا وبين ما ذكرنا تحيّر ، وهذه فضيلة يشهد له بها كلُّ من كان له به أدنى مخالطة ، ولا يمكن لأحد فيها مغالطة.