مجيء الباء للتبعيض
واعلم أنّ الرازي قال : (إن دخلت الباء على فعل غير متعدٍ بنفسه أفادت الإلصاق ، وإن دخلت على فعل متعدٍ بنفسه أفادت التبعيض كقوله تعالى : وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ أمّا الأوّل فللإتفاق عليه ، وأمّا الثاني فللفرق بين : (مسحت يدي بالمنديل وبالحائط) وبين : (مسحت المنديل والحائط) فإنّه يستفاد التبعيض في الأوّل ، والشمول في الثاني) ، انتهى (١).
وقال العلّامة في التهذيب : (إنّ سيبويه أنكر كونها للتبعيض في سبعة عشر موضعاً من كتابه) (٢). ـ مع تقدمه في علم الأدب ، ومعرفته بلغة العرب ـ ويؤكد ذلك قول ابن جني : (كون الباء للتبعيض شيء لا يعرفه أهل اللُّغة) (٣).
وأجاب عن حُجّة فخر الدين بأنّ : (المسح المقرون بالباء يجعل المنديل والحائط آلة في المسح ، والعاري عنها يجعلها ممسوحين لا ما ذكره. فإنّ الأوّل : عين المتنازع فيه ، فيكون مصادرة على المطلوب. والثاني : ممنوع.
وأيضاً الفعل مع المفعول الأوّل وهو : (يدي) لا يتعدّى بنفسه إلى المنديل ، وهو خارج عن المتنازع فيه ، ولو حذف لفظ يدي وجعل المنديل ممسوحاً منعنا الفرق) ، انتهى (٤).
__________________
(١) المحصول ١ : ٣٧٩.
(٢) تهذيب الأُصول : ١٨.
(٣) عن المحصول ١ : ١ : ٣٨٠ ، منتهى المطلب ٢ : ٤٠ وغيرها. (وينظر : رأي ابن جني في سر صناعة الأعراب ١ : ١٢٣).
(٤) بما أنَّ المؤلِّف رحمهالله ذكر ملخص ما نصّه فخر الدين محمّد بن عمر الرازي في كتابه المحصول ج ١ ص ٣٧٩ رأيت من الفائدة أن أذكر تمامه وهو كما يأتي : (المسألة الخامسة : الباء إذا دخلت على فعل يتعدى بنفسه كقوله تعالى : وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ تقتضي التبعيض خلافاً للحنفيّة ، وأجمعنا على أنّها إذا دخلت على فعل لا يتعدى بنفسه كقولك : (كتبت بالقلم) و (مررت يزيد) فإنها لا تقتضي إلّا مجرد الإلصاق لنا أنا نعلم بالضرورة الفرق بين أن يقال :