[وقال آخر]
: (القلم أحدُ اللّسانين ، وهو المخاطب للغيوب بسرائر القلوب على لغات مختلفة من
معاني معقولة ، بحروف معلومة ، متباينات الصور ، مختلفات الجهات ، لقاحها التفكُّر
، نتاجها التدبُّر ، تخرس منفردات ، وتنطلق من درجات ، بلا أصوات مسموعة ولا ألسنة
محدودة ولا حركات ظاهرة ، خلا قلم حرف باريه قطَّتُه ليطلق المداد به ، وأرهف
جانبيه ليردّ ما انتشر عنه إليه ، وشقّ رأسه ليحتبس المداد عليه ، فهناك استمد
القلم بشقّه ، ونثر في القرطاس بخطه حروفاً أحكمها التفكر ، وأولى الأسماع بها
الكلام الَّذي سداه العقل ، وألحمه اللّسان ، ونهشته اللَّهوات ، وقطعته الأسنان ،
ولفظته الشفاه ، ووعته الأسماع عن أنحاء شتى من صفات أسمائه) .
قال البحتري :
طِعانٌ بأطرافِ القوافي كأنّهُ
|
|
طِعانٌ بأطراف القنا المتكسّرِ
|
وقال ابن المعتز : (القلم مُجهز لجيوش
الكلام ، يخدم الإرادة ، ولا يملّ استزادة ، يسكت واقفاً ، وينطق سائراً ، على
أرضٍ بياضها مظلم ، وسوادها مضيء ، وكأنه يُقَبِّل بساط سلطان ، أو يفتح نوَّار
بستان) .
وقال علي بن عبيد : (أصمٌّ يسمع
النَّجوى ، أعيا من باقل
، وأبلغ من سَحبان وائل
، يجهل الشاهد ، ويُخبر الغائب ، ويجعل الكتب بين الإخوان ألسُناً ناطقة ،
__________________