أفزعكم بكائي؟ فقال : نعم يا رسول الله ، فقال : إنّ القبر الذي رأيتموني أناجيه قبر آمنة بنت وهب وإنّي استأذنت ربّي في الاستغفار لها فلم يأذن لي ، وأنزل عليّ : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ [وَالَّذِينَ آمَنُوا (١)] أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) ، الآية ، فأخذني ما يأخذ الولد للوالدين من الرّقّة (٢). قال الأمير : ويمكن الجمع بين الرّوايتين : كان يستغفر لأبي طالب سنين حتى زار قبر أمّه (٣) يومئذ فأنزل الله الآية فانتهى عن استغفارهما.
قال ابن عبّاس : كانوا يستغفرون لهم حتى نزلت الآية فلمّا نزلت أمسكوا عن الاستغفار للأموات ولم ينههم عن الاستغفار للأحياء حتى يموتوا ثمّ أنزل (٤) : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ) ، الآية ، استغفر له ما كان حيّا فلمّا مات أمسك عن الاستغفار له (٥).
١١٤ ـ (الأوّاه) : كثير التّأوّه خوفا من الله عزوجل ، عن الأزهريّ (٦). وقال أبو عبيدة (٧) : الأوّاه : المتأوّه شفقا وفرقا ويقينا ولزوما للطّاعة. ويحتمل أنّه كان يتأوّه على هلاك قومه وكفرهم بالله ويتحلّم عنهم ولا يخاشنهم ولا يزيد على التّأوّه ؛ لأنّه لم يكن مأمورا بالقتال.
١١٥ ـ (لِيُضِلَّ) : الإضلال ههنا لومه وتخطئته وتضليله ومؤاخذته إيّاهم بما لا علم لهم به. ثمّ اختلفوا فقيل : نزلت الآية في مؤاخذة الله إيّاهم للعمل بالأحكام المنسوخة قبل العلم بالنّسخ كالصّلاة إلى بيت المقدس وشرب الخمر (٨) ، وقيل : نزلت في مؤاخذة الله إيّاهم (٩) بالاستغفار للمشركين قبل بيانه (١٠) أنّه لا يجوز.
وإنّما وصف بالعلم ؛ لأنّ (١١) هذا الحكم المذكور من قضية علمه وحكمته.
١١٦ ـ وإنّما وصف نفسه بأنّ (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ليبيّن جواز تصرّفاته (١٥٠ ظ) في مملكته من النّسخ والإضلال والمغفرة والعذاب وغير ذلك (١٢).
__________________
(١) مكانها في ك وبعدها في ع : معه ، وهي مقحمة.
(٢) ينظر : تاريخ المدينة المنورة ١ / ١١٨ ـ ١١٩ ، والمستدرك ٢ / ٣٣٧ ، وأسباب نزول الآيات ١٧٨.
(٣) في ك : قبره ، بدل (قبر أمه).
(٤) الآية التي بعدها.
(٥) ينظر : تفسير الطبري ١١ / ٥٩.
(٦) ينظر : لسان العرب ١٣ / ٤٧٢ (أوه).
(٧) ينظر : مجاز القرآن ١ / ٢٤٧.
(٨) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٥٣ ، ومعاني القرآن الكريم ٣ / ٢٦٣ ، وتفسير البغوي ٢ / ٣٣٣.
(٩) (بالأحكام المنسوخة ... إياهم) ليس في ب.
(١٠) ساقطة من ك. وينظر : تفسير مجاهد ١ / ٢٨٨ ، والطبري ١١ / ٧٣ ، والبغوي ٢ / ٣٣٢.
(١١) النسخ الثلاث : لا.
(١٢) ينظر : فتح القدير ٢ / ٤١٢ ـ ٤١٣.