حلال عقدوا الأوتار وشدّوا الأزجّة والقطب وخرجوا فأغاروا على النّاس ، قال محمّد : فقلت للكلبيّ : إذا كانوا يحلّونه عاما ويحرّمونه فكيف كان النّاس لا يأخذون حذرهم في نوبة الحلال ، قال : إنّما يفعلون ذلك في السّنين وهم أغرّ ما كانوا ، فكان التّحريم والتّحليل في هذين الشّهرين المحرّم وصفر ، وإنّما فعل ذلك بهم لأنّهم كانوا يصيبون على ظهور الدّوابّ من الغارة وكانت معيشتهم منها ، فشقّ عليهم توالي الأشهر الحرم (١).
محمّد بن إسحق عن الكلبيّ قال : أوّل من أنسأ الشّهر من مضر مالك بن كنانة ، وذلك أنّه (٢) نكح إلى معاوية بن ثور الكنديّ ، وكانت النساءة في كندة وهم ملوك ربيعة ومضر وأرداف المقاول ، فورثها مالك بن كنانة منهم ، ثمّ نسأ ثعلبة بن مالك بن الحارث ، ثمّ نسأ بعده سريد (٣) بن القلمّس ، ثمّ كانت النساءة في بني فقيم من بني ثعلبة وكان آخر من نسأ منهم أبو ثمامة جنادة بن عوف بن آمنة بن عبد بن فقيم ، قال : وكانوا يسمّون المحرّم صفر الأوّل ، فيقولون (٤) : صفران وشهرا ربيع وجماديان ورجب وشعبان وشهر رمضان وذو القعدة وذو الحجّة ، فكان النّاسئ ينسئ سنة ويترك سنة ليحلّوا الحرام ويحرّموا الحلال ، فإذا قال : نسأت من هذه السّنة صفرا طرحوه ولم يعتدّوا به وقالوا لصفر (٥) وشهر ربيع الأوّل صفران ، ولشهر ربيع الآخر وجمادى الأولى شهرا ربيع ، ولجمادى الآخر ورجب جماديان ، على هذا التّرتيب ، ثمّ يمسك عن الإنساء في السّنة الثّانية ويقول : يا أيّها النّاس لا تحلّوا حرماتكم وعظّموا شعائركم وقد أحللت دماء المحلين طيّئ وخثعم في الأشهر الحرم ، وإنّما يحلّ دماء هاتين القبيلتين لاستحلالهما الأشهر الحرم ومخالفتهما سائر العرب في اعتقاد تحريم هذه الأشهر ، ثمّ ينسأ في السّنة الثّانية صفر الأوّل عنده ، وهو صفر الثّاني في الحساب (٦) المستقيم ، فيقول لشهري (٧) ربيع صفران ، ولجماديين شهرا ربيع ، ولرجب وشعبان جماديان ، (١٤١ و) على هذا التّرتيب ، حتى يستدير الحجّ في كلّ أربع وعشرين سنة إلى الشّهر الذي ابتدأ منه (٨).
وكان الحجّ سنة الفتح ، وهي (٩) سنة ثمان ، قد انتهى إلى ذي القعدة ، فلم يأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم عتاب بن أسيد ، وحجّ أبو بكر سنة تسع ، وحجّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم سنة عشر فوقف بعرفة وقال :
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٣٦ ـ ٤٣٧ ، وتفسير البغوي ٢ / ٢٩١.
(٢) ساقطة من ك.
(٣) في الأصل وع وب : سرير.
(٤) في الأصل وك وب : فيقول.
(٥) في الأصل وع وب : الصفر.
(٦) في ب : الحسام ، وهو تحريف.
(٧) النسخ الأربع : لشهرا ، والصواب ما أثبت.
(٨) ينظر في هذه الروايات : تفسير الطبري ١٠ / ١٦٨ ـ ١٧١ ، والبغوي ٢ / ٢٩١.
(٩) ساقطة من ب.