استردّ الملك من الضّحّاك العاديّ واجتمع معه عشيرته كلّهم ، وهم بنو أرفخشد ، تكلف على النّجوم وأعجبه ذلك فاعتقده ، ثمّ سوّلت له نفسه دعوى الرّبوبيّة فادّعاها ، واصطنع لنفسه سبعة نفر من عشيرته سمّاهم الكوهيارين ، وفوّض إلى كلّ واحد منهم أمرا من أموره ، ورتّب المراتب فكان آزر بين الأصنام ، ثمّ إنّ أمر إبراهيم عليهالسلام وفساد ملك نمرود بسببه [كان](١) شيئا موهوما مخوفا من جهة علم نبويّ كان قد بقي من نوح عليهالسلام ، أو من جهة رؤيا رآها إبراهيم نمرودا له ، أو من جهة (٢) ما وضع الله ذلك على ألسنة الكهنة والعامّة على سبيل الإرجاف وفي تقادير المنجّمين ، فأمر نمرود بقتل الصّبيان ، وأمر بحبس النّساء عن أزواجهنّ ، وجعل نساء حضرته في حصن حصين ووكّل آزر عليهنّ ، وهو شيخ أمين عنده ، ولا مردّ لقضاء الله ، فكان من قضاء الله وقدره أن خرجت إليه امرأته (٣) ذات يوم من الحصن بطعام وقت الهاجرة ، فإذا نظر إليها آزر لم يملك نفسه أن واقعها فأعلقها ، ولمّا ظهر الحبل سقط في يده وخاف على نفسه ، ووعدته امرأته أن تخبره بوضع الحمل الثقيل إن كان غلاما ، فلمّا وضعت إبراهيم عليهالسلام أشفقت عليه وأخفته في مفازة ، وقالت لآزر : إنّي ولدت ولدا ميّتا فدفنته ، فصدّقها ، وكانت تأتيه فتجده (٤) يمصّ إبهامه ، ولمّا بلغ سبع سنين أظهرته على آزر ، وقد (٥) ألقى الله عزوجل عليه محبة فلم يجد آزر من نفسه أن يسلمه للقتل. ثمّ ألهم (٦) الله عزوجل إبراهيم التّوحيد وذمّ الأصنام ، وكان (٧) يدعو أباه ، وهو يزجره ويهدّده بالملك وبالقتل ، ويظنّ أنّه يقول ذلك من غرّه (٨) وصباه حتى إذا كسر الأصنام وظهر أمره قال نمرود لآزر : ما الذي حملك على كفران نعمتي وكتمان أمر هذا الغلام؟ قال : أيّها الملك لا تعجل فإنّي إنّما فعلت ذلك نصيحة لك ونظرا لرعيّتك فإنّك تفني الرّعيّة خوفا من عدوّك ولا تعرفه ، وأنا ربّيت هذا الغلام وظهر (٩) أنّه عدوّك فاقتله ثمّ استرح وأرح النّاس ، ثمّ كان من أمر إبراهيم عليهالسلام ما كان (١٠).
__________________
(١) يقتضيها السياق.
(٢) في ك : جملة. والعبارة قبلها مضطربة.
(٣) في ب : امرأة.
(٤) في الأصل : فيجده ، وهو تصحيف.
(٥) في ك : فقد.
(٦) في ب : ألهمه ، والهاء مقحمة.
(٧) النسخ الثلاث : فكان.
(٨) في ع : عزه ، وبعدها في ك وع : وصبا ، بدل (وصباه).
(٩) في ع : فظهر.
(١٠) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ١٠٨ ـ ١١٠ ، والقرطبي ٧ / ٢٤.