المبحث الثاني
موقفه من السماع والقياس
١ ـ السماع :
عرّف السّيوطيّ السّماع بقوله (١) : «وأعني به ما ثبت في كلام من يوثق بفصاحته ، فشمل كلام الله تعالى ، وهو القرآن ، وكلام نبيّه ، وكلام العرب قبل بعثته وفي زمنه وبعده إلى أن فسدت الألسنة بكثرة المولّدين نظما ونثرا عن مسلم أو كافر ، فهذه ثلاثة أنواع لا بدّ في كلّ منها من الثّبوت».
ومؤلّف (درج الدرر) يعتدّ بالسّماع ويعوّل عليه في التّقعيد لمسائل اللّغة والنّحو ، ويشهد له على ذلك كثرة الشّواهد التي ساقها للاستدلال على صحّة الآراء التي يذكرها ، وقد عرضنا آنفا أمثلة على تلك الشّواهد. وليس هذا وحده دليلنا على أهميّة السّماع عند المؤلّف ، فقد صرّح المؤلّف بموقفه بوضوح في كتابه حين تحدّث عن (المرء) في قوله تعالى : (ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) [البقرة : ١٠٢] فقال : «ومرء وامرؤ لغتان ، وفي التأنيث : مرأة وامرأة» ، ثمّ تحدّث عمّا قيل في همزة الوصل في قولهم : (امرؤ وامرأة) فقال : «وكأنّ همزة الوصل إنّما عوّضت من الهمزة الأخيرة إذ لا صورة لها ، فسكّنت الميم وهي فاء الفعل وابتدئ بهمزة الوصل كما في الاسم والابن. وقيل : إنّما سكّنت فاء الفعل في مثل هذه الأسماء وابتدئ بهمزة الوصل ؛ لأنّها أسماء كثر دورها على الألسنة ، فشبّهت بالأفعال التي على صيغة الأمر» ، ثمّ بيّن موقفه من مثل هذه العلل المتكلّفة ، وتعويله على السّماع في اللّغة فقال : «ومثل هذه العلل واه ، واللّغة بالسّماع» (٢).
٢ ـ القياس :
وهو «حمل فرع على أصل بعلّة ، وإجراء حكم الأصل على الفرع» (٣). وقد اختلف علماؤنا القدماء في القياس بين مانع يرى قصر اللّغة على السّماع ، ومجيز يرى أنّ ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم (٤).
__________________
(١) الاقتراح في علم أصول النحو ١٤.
(٢) درج الدرر ١٢٠ ـ ١٢١.
(٣) الاقتراح في علم أصول النحو ٤٢.
(٤) ينظر : في أصول النحو ٧٩ ـ ٩٩.