(كُونُوا) : أمر تكوين وإيجاد (١) ، كقوله : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ)(٢) الآية [النحل : ٤٠] ، وقوله : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً) الآية [فصلت : ١١].
وقول الله تعالى حقيقة ، وقد أكّد بقوله : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : ١٦٤] ، والتأكيد لنفي إيهام الاستعارة ، وفي فحوى قوله : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) ، الآية [الشورى : ٥١] ما يدلّ على أنّ القول صفته حقيقة (٣) ، والأدلّة عليه موجودة في سائر قصصه وأخباره وأوامره ونواهيه ووعده وإيعاده ، وقول الجماد ؛ فلأنّ الله تعالى قد (٤) أنشأ النطق في الأجزاء المؤلّفة على بنية حيوانيّة ، قال الله تعالى : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ) [الأنبياء : ٧٩] فلو لا أنّ تسبيح الجبال بالقول حقيقة وإلا لم يكن لتخصيصه معنى.
(قِرَدَةً) : واحده (٥) قرد ، كالفيل والفيلة ، وهو ضرب (٦) من الوحوش يأتلف كالدّبّ ، وتسمّى الأنثى : قشّة (٧).
والأمّة الممسوخة لا تتناسل عند أكثرهم ؛ لأنّهم لم يعيشوا فوق ثلاث (٨). وقيل : إنّ هذه القردة منهم ، ويجوز تناسل الممسوخ وبقاؤه (٩) ، وقد روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم تحرّج عن أكل الضّبّ (١٠) وقال : (إنّ أمّة من بني إسرائيل مسخت دوابّ في الأرض ولا أدري أيّ الدوابّ هي) (١١).
(خاسِئِينَ) : متباعدين على الذّلّ والصّغار (١٢) ، وتقديره : خاسئين قردة ، وإلا يقال : قردة خاسئة ، لكن التقديم والتأخير لوفق رؤوس الآي (١٣).
٦٦ ـ (فَجَعَلْناها) : أي : القرية ، أو القردة ، أو الأمّة ، أو العقوبة (١٤).
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٨١ ، والمحرر الوجيز ١ / ١٦٠ ، والتفسير الكبير ٣ / ١١٠.
(٢) النسخ الأربع : إنما أمرنا إذا أردناه ، وهو خطأ ، وتتمّة الآية : (أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
(٣) في ب : حقيقته.
(٤) ساقطة من ع.
(٥) النسخ الأربع : واحد ، والسياق يقتضي ما أثبت.
(٦) في ب : صنف.
(٧) ينظر : القاموس المحيط ٥٤٢ (قشش).
(٨) ينظر : النكت والعيون ١ / ١١٩ ، وتفسير البغوي ١ / ٨١ ، والمحرر الوجيز ١ / ١٦٠.
(٩) ينظر : تفسير القرطبي ١ / ٤٤٠ ، والبحر المحيط ١ / ٤١٠.
(١٠) في ب : الدب ، وهو تحريف. وينظر : شرح معاني الآثار ٤ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، والتمهيد ١٧ / ٦٤ ـ ٦٦.
(١١) مصنف ابن أبي شيبة ٥ / ١٢٣ ، وسنن أبي داود ٣ / ٣٥٣ ، والتمهيد ١٧ / ٦٦.
(١٢) ينظر : غريب القرآن وتفسيره ٧٢ ، وتفسير الطبري ١ / ٤٧٣ ـ ٤٧٤ ، وتفسير القرآن الكريم ١ / ٣٨٠.
(١٣) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٨١.
(١٤) ينظر : تفسير الطبري ١ / ٤٧٤ ـ ٤٧٥ ، ومشكل إعراب القرآن ١ / ٩٧ ، والمحرر الوجيز ١ / ١٦١.