أى قلنا للملائكة الأطهار ، اسجدوا لآدم سجود تعظيم وإجلال ، لا سجود عبادة وتأليه ، فسجد الملائكة جميعا ، وامتثلوا لأمر الله ، إلّا إبليس اللعين ، فإنه امتنع من السجود ، واستكبر قائلا : أأسجد له وأنا خير منه ، خلقتنى من نار ، وخلقته من طين.
قال الحسن البصرى : قاس إبليس ، وهو أول من قاس.
وقال محمد بن سيرين : أول من قاس إبليس ، وما عبدت الشمس ولا القمر إلا بالمقاييس (١). منع إبليس حسده وغروره ، وتكبّره من امتثال أمر ربه ، ولعل هذا الإباء ، والاستكبار ، والتعالى والغرور ـ الذى عنده ، من صفات النار التى خلق منها. وهكذا قد خرج عن أمر ربه ، فاستحق اللعنة ، وكان من الكافرين.
قال ابن كثير : ومعنى قول إبليس هذا ـ أنه نظر نفسه بطريق المقايسة بينه وبين آدم. فرأى نفسه أشرف من آدم ، فامتنع من السجود له ، مع وجود الأمر له ، ولسائر الملائكة بالسجود. والمقياس إذا كان مقابلا بالنص كان فاسد الاعتبار ، ثم هو فاسد فى نفسه. فإن الطين أنفع وخير من النار ، لأن الطين فيه الرزانة والحلم والأناة والنمو ، والنار فيها الطيش ، والخفة ، والسرعة ، والإحراق. (٢)
إن آدم شرّفه الله بخلقه له بيده ، ونفخه فيه من روحه ، ولهذا أمر الملائكة بالسجود له ، كما قال سبحانه :
__________________
(١) رواهما ابن جرير الطبرى.
(٢) قصص الأنبياء لابن كثير ص ١١