وقوله تعالى : (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) (٧٩) ؛ أي بل احكموا عند نفوسهم أمرا في كيد محمّد صلىاللهعليهوسلم والمكر به ، فإنّا محكمون أمرا في مجازاتهم شرّا بشرّ.
قوله تعالى : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (٨٠) ؛ السّرّ ما يعقده الإنسان في نفسه ويضمره بقلبه ، والنّجوى ما يحدّث به غيره في الخفية ، وقوله تعالى (بَلى) أي نسمع سرّهم ونجواهم ، ورسلنا هم الحفظة عندهم ، يكتبون عليهم ذلك.
ويقال : إنّ هذه الآية نزلت في ثلاثة نفر من المشركين ، وهم صفوان بن أمية ، وربيعة بن عمرو وأخوه حبيب بن عمرو ، وكانوا يمكرون في قتل النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : أخبرنا أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم يقول لأصحابه : إنّ الله يعلم السرّ يكون بين الاثنين ، أفترونه يعلم ما نقول؟ قال ربيعة : أراه يعلم بعض ما نقول ولا يعلم بعضا ، فقال صفوان : ولا كلمة واحدة ، ولو علم بعضه لعلمه كلّه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).
قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) (٨١) ؛ وذلك أنّ المشركين لمّا قالوا : لله ولد! ولم يرجعوا عن مقالتهم ، أنزل الله هذه الآية ، والمعنى : قل لهم يا محمّد : (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) في زعمكم (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) من عبد الله وحده وكذبكم بما تقولون ، هكذا روي عن مجاهد (٢).
وقال قتادة والحسن : (معناه : ما كان للرّحمن ولد ، وأنا أوّل من عبد الله من أهل هذا الزّمان) (٣). وقيل : معناه : إن كان للرّحمن ولد كما تزعمون فأنا أوّل من غضب للرحمن ، فعلى هذا القول العابد من العبد بمعنى الغضب. وقال الفرّاء : (عبد
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (٢٣٩٧٧) من غير ذكر الأسماء. وفي الدر المنثور : ج ٧ ص ٣٩٤ ؛ عزاه السيوطي للطبري فقط.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٣٩٨١). وفي الدر المنثور : ج ٧ ص ٣٩٥ ؛ قال السيوطي : (أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير).
(٣) في الدر المنثور : ج ٧ ص ٣٩٥ ؛ قال السيوطي : (أخرجه عبد بن حميد عن الحسن والقتادة) بلفظ : (فأنا أول من عبد الله من هذه الأمة).