والمعنى : لمّا شبّهوه بآلهتهم (إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) يعني قومه الكفار كانوا يضجّون ضجيج المجادلة ، حيث خاصموه وقالوا : رضينا أن تكون آلهتنا ، وهو قولهم : (وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ؛) أي ليست آلهتنا خيرا من عيسى ، فإن كان عيسى في النار بأنه يعبد من دون الله فآلهتنا في النار.
قرئ (يَصِدُّونَ) بكسر الصاد وضمّها ، قال الفرّاء والزجّاج والأخفش والكسائيّ : (هما لغتان ، معناهما : يضجّون) (١). وقيل : يصدّون : يعرضون. ومن قرأ بكسر الصاد فمعناه : يضحكون.
قوله تعالى : (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً ؛) أي ما ذكروا لك وصف عيسى إلّا ليجادلوك به ؛ لأنّهم قد علموا أن المراد بحصب جهنّم ما اتخذوه من الموات.
ثم ذكر أنّهم أصحاب خصومات فقال : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) (٥٨) ؛ أي جدلون بالباطل ، وعن أبي أمامة الباهليّ أنه قال : (ما ضلّ قوم إلّا أوتوا الجدل. ثمّ قرأ هذه الآية) (٢).
قوله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ ؛) فيه بيان أنّ عيسى عليهالسلام عبد مثلهم فضّله بالنبوّة والرسالة ، والمعنى : أنعمنا عليه بالنبوّة ، (وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) (٥٩) ؛ أي جعلنا خلقه بغير الأب آية تدلّهم على وحدانيّة الله تعالى وقدرته على ما يريد.
ثم خاطب كفار مكّة فقال تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً ؛) أي لو نشاء أهلكناكم وجعلنا بدلا منكم ملائكة ، (فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) (٦٠) ؛ كم يكون خلفا منكم.
__________________
(١) في معاني القرآن : ج ٣ ص ٣٦ ـ ٣٧ ذكرهما الفراء وقال : (العرب تقول يصدّ ويصدّ). وفي معاني القرآن وإعرابه : ج ٤ ص ٣١٧ ؛ قال الزجاج : (يقرأ يصدّون بضمّ الصاد والكسر أكثر). وقاله الأخفش في معاني القرآن : ج ٢ ص ٦٩٠.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (٢٣٩٢٨). والطبراني في المعجم الكبير : ج ٨ ص ٢٧٧ : الحديث (٨٠٦٧). والترمذي في الجامع : أبواب التفسير : الحديث (٣٢٣٥) ، وقال : حسن صحيح. وابن ماجة في السنن : المقدمة : الحديث (٤٨). والحاكم في المستدرك : كتاب التفسير : الحديث (٣٧٢٦) ، وقال : صحيح الإسناد.