قوله تعالى : (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا ؛) ما سمع سماع إفهام إلّا من يؤمن بآياتنا ويطلب الحقّ بالنظر في القرآن. وقال مقاتل : (إلّا من يصدّق بالقرآن أنّه من الله) (١)(فَهُمْ مُسْلِمُونَ) (٨١) ؛ أي مخلصون بتوحيد الله ، والمعنى ما سمع دعوتك سماع القبول إلّا من يطلب الحقّ بالنظر في آيات الله ، فلا بدّ أن يسلم في ظهور الدّلائل.
قوله تعالى : (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ؛) معناه : وإذا وجب القول عليهم بالسّخط والعذاب عند قرب السّاعة (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ) ، فقال قتادة : (إذا غضب الله عليهم وأوجب أن ينزل بهم ما قال الله وحكم به من عذابه وسخطه عليهم) (٢) أي على الكفّار الذين تخرج عليهم الدّابة ، وهو قوله تعالى : (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ) وذلك حين لا يؤمر بمعروف ولا ينهى عن منكر. قال مخلّد بن الحسين (٣) : (لا تخرج الدّابّة حتّى لا يبقى أحد يريد أن يؤمن). قالوا : وتخرج الدّابة من صدع في الصّفا.
وروي أنه تخرج بين الصّفا والمروة ، ولا تخرج إلّا رأسها وعنقها ، فيبلغ رأسها السحاب فيراها أهل المشرق والمغرب فيسمعون كلامها باللّسان ، فتقول لهم : أيّها الكفّار مصيركم إلى النار ، ثم تقبل على المؤمنين فتقول : أيّها المؤمنون مصيركم إلى الجنّة ، فتميّز عند ذلك أهل الجنّة من أهل النار.
ويجوز أن يكون قوله (تُكَلِّمُهُمْ) من الكلم وهو الجراحة ، كما روي في قراءة ابن عبّاس (تكلمهم) بنصب التاء وكسر اللام ؛ أي تسمهم ، تكتب على وجه الكافر : إنّه كافر ، وعلى جبين المؤمن : إنّه مؤمن.
__________________
(١) قاله مقاتل في التفسير : ج ٢ ص ٤٨٤.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٠٦١٣ ـ ٢٠٦١٤).
(٣) مخلّد بن الحسين الأزديّ المهلّبي البصريّ ، ترجم له ابن حجر في التهذيب : الرقم (٦٧٩٨) ؛ وقال : (قال العجلي : ثقة رجل صالح ، كان من عقلاء الرجال). وقال أبو داود : (كان من أعقل أهل زمانه) مات سنة احدى وتسعين. وله ترجمة في حلية الأولياء : ج ٨ ص ٢٦٦.