أعمالهم في الدّنيا وأقاويلهم) (١) ، وقال مقاتل : (تسألهم خزنة جهنّم : ألم يأتكم نذير ، ألم يأتكم رسل منكم) (٢).
ويجوز أن يكون هذا السؤال ما ذكر بعد ، وهو قوله : (ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) (٢٥) ؛ أي يقال لهم على سبيل التوبيخ : ما لكم لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدّنيا.
وذلك أنّ أبا جهل لعنه الله قال يوم بدر : نحن جميع منتصر ، فقيل لهم ذلك اليوم : ما لكم غير متناصرين ، وأنتم زعمتم في الدّنيا أنكم تناصرون ، فالله تعالى قال : (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) (٢٦) ؛ أي منقادون خاضعون لما يراد بهم ، والمعنى : هم اليوم أذلّاء منقادون ، لا حيلة لهم ، فالعابد منهم والمعبود لا يحمل عن أحدهم أحدا ولا يمنع أحد عن أحد.
قوله تعالى : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (٢٧) ؛ أي أقبل الشياطين والمشركون يسأل بعضهم بعضا سؤال توبيخ ، (قالُوا) ، فيقول المشركون للشياطين : (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) (٢٨) ؛ فتزيّنوا لنا الضّلالة ، وتردّوننا عن الخير ، (قالُوا) ، فيقول لهم الشياطين : (بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٢٩) ؛ إنما كان الكفر من قبلكم ، (وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ ؛) أي من قوّة فنجبركم على الكفر ، (بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) (٣٠) ؛ أي متجاوزين ضالّين.
وقال الحسن في معنى الآية : ((وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) ؛ أي أقبل التّابعون على المتبوعين من بني آدم ، فيقولون : لو لا أنتم لكنّا مؤمنين ، فيقول لهم الرّؤساء : ما أجبرناكم على الكفر بل كفرتم بسوء اختياركم ، فيقول لهم التّابعون : إنّكم كنتم تأتوننا عن اليمين ؛ أي من أقوى الجهات ، وذلك أنّ جهة اليمين أقوى من جهة الشّمال ، كما أنّ اليمين أقوى من الشّمال) (٣) وتقديره : خدعتمونا بأقوى الوجوه ،
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير الكبير : ج ١٠ ص ٣٢٠٨.
(٢) قاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٩٧.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير الكبير : ج ١٠ ص ٣٢٠٩ مختصرا.