قوله تعالى : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ؛) أي ليطلب الذين لا يجدون نكاحا العفّة عن الزنا والحرام ، والمعنى : من لم يجد سعة للنكاح من مهر ونفقة ، ولا يجد شيئا يشتري به أمة فليستعفف عن الزّنا حتى يجد ما يكفيه ، كذلك وفي هذا بيان أنه لا عذر لأحد في السّفاح.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ؛) معناه الذين يطلبون المكاتبة من عبيدكم وإمائكم ، (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ؛) رشدا وصلاحا وصدقا ووفاء وأمانة وقدرة على المكسب ، وهذا أمر استحباب في العبد الذي يقدر على الاكتساب وترغيب في الكتابة. فأما الذي لا يقدر على الكسب ولا يرغب في الكتابة ، فلا يكون في كتابته إلّا قطع حقّ المولى عنه من غير نفع يرجع إليه. ومعنى الكتابة : أن يكاتب مملوكه على مال سلّمه إليه نجوما فيعتق بأدائه ، وإن كانت الكتابة حالّة جازت عند أبي حنيفة وأصحابه ، والشافعي لا يجوّز إلّا منجّما ، وأقلّه نجمان فصاعدا.
قوله تعالى : (وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ ؛) اختلفوا في معنى ذلك ، فروي عن عليّ رضي الله عنه أنه قال : (يحطّ عن المكاتب ربع مال الكتابة) (١). وعن ابن عباس : (يحطّ عنه شيء) ، وعن عبد الله بن يزيد الأنصاريّ أنه قال : (هذا خطاب للأئمّة أن يسلّموا إلى المكاتبين ما فرض الله لهم في قوله تعالى (وَفِي الرِّقابِ)(٢)) وهذا أقرب إلى ظاهر الآية ، لأن الإتيان في اللغة هو الإعطاء دون الحطّ.
قوله تعالى : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ؛) قال ابن عبّاس : (نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبيّ سلول ، كانت له جوار حسان : مسكة
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (١٩٧٢١). وفي الدر المنثور : ج ٦ ص ١٩١ ؛ قال السيوطي : (أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي من طريق عبد الرحمن السلمي. وقال : أخرجه عبد الرزاق وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، والديلمي وابن المنذر والبيهقي وابن مردويه من طرق عبد الله بن حبيب عن علي عن النبي صلىاللهعليهوسلم).
(٢) البقرة / ١٧٧.