قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها وهي غزوة بني المصطلق ، فخرج فيها سهمي ، فخرجت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذلك بعد ما أنزل الحجاب كنت أحمل في هودجي ، وأحمل فيه حتّى إذا فصل رسول الله صلىاللهعليهوسلم من غزوته ورجع ودرنا إلى المدينة.
فلمّا كان ذات ليلة قمت حين آذنوا بالرّحيل ، فمشيت حتّى جاوزت الجيش ، فلمّا قضيت شأني أقبلت إلى الرّحل فلمست صدري فإذا عقدي قد انقطع ، وكان من جزع ظفار (١) ، فرجعت ألتمس عقدي وحبسني ابتغاؤه.
فأقبل الرّهط (٢) الّذين كانوا يرحلون (٣) لي ، فحملوا هودجي على بعيري الّذي كنت أركب عليه وهم يحسبون أنّي فيه ، وكنّ نساء إذ ذاك خفافا لم يغشهنّ اللّحم ، إنّما يأكلن العلقة (٤) من الطّعام ، ولم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رفعوه ، وكنت جارية حديثة السّنّ ، فبعثوا الجمل وساروا ، ووجدت عقدي بعد ما استمرّ الجيش ، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب ، فتيمّمت (٥) منزلي الّذي كنت فيه ، وظننت أنّ القوم يفقدونني فيرجعون إليّ.
فبينما أنا جالسة في مجلسي غلبتني عيني فنمت ، وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ قد عرّس (٦) من وراء الجيش ، فأدلج (٧) فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتى إليّ فعرفني حين رآني ، وقد كان رآني قبل أن يضرب الحجاب ، فما استيقظت إلّا باسترجاعه (٨) حين عرفني ، فخمّرت وجهي بجلبابي ، فو الله ما
__________________
(١) هو عقد نحو القلادة. والجزع : خرز يماني. وظفار : قرية باليمن.
(٢) الرهط : جماعة دون العشرة.
(٣) يرحلون : يجعلون الرّحل على البعير.
(٤) العلقة : القليل ، ويقال لها أيضا : البلغة.
(٥) تيمّمت منزلي : قصدته ، لتأمن العثور عليها حين يرجعون.
(٦) عرّس : نزل آخر الليل ليستريح.
(٧) أدلج : سار في آخر الليل.
(٨) أي حين قال : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ).