فكذبه وأبطل حينئذ شهادته ، ولو جعل بطلان الشهادة حكما معلقا بتسمية الفسق ولم يجعل حكما على حاله مرتّبا على الجلد لبطلت فائدة قوله (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) من كتاب الله ؛ لأن كلّ فاسق لا تقبل شهادته إلّا بعد توبته عن الفسق.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٧) ؛ الآية ، وذلك أنّ الله سبحانه لمّا أنزل الآية التي قبل هذه الآية في قذف المحصنات وشرط فيها الإتيان بأربعة شهداء وإلّا جلد ثمانين جلدة ، قرأها النبيّ صلىاللهعليهوسلم على المنبر.
فقال عاصم بن عديّ : يا رسول الله! جعلني الله فداك ، أرأيت إن رأى رجل منّا مع امرأته رجلا على بطنها ، فأراد أن يخرج من بيته فيجيء بأربعة شهداء قضى الرّجل حاجته وخرج ، وإن هو عجّل فقتله قتلتموه ، وإن تكلّم بذلك جلدتموه ، وإن سكت ؛ سكت على غيظ شديد؟
فقال صلىاللهعليهوسلم : [كفى بالسّيف] أراد أن يقول شاهدا ، فأرسل عليه جبريل بالسّكوت ، فأمسك لئلّا يتسارع أحد من الرّجال إلى قتل أزواجهم (١).
وقال ابن عبّاس : (لمّا نزلت : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) ، قرأها النّبيّ صلىاللهعليهوسلم على المنبر يوم الجمعة ـ فقال عاصم بن عديّ مقالته الّتي ذكرناها (٢) ـ وقال : يا رسول الله! كيف لنا بالشّهداء
__________________
(١) أدرج الطبراني رحمهالله رواية عبادة بن الصامت ورواية عاصم بن عدي ؛ وأصلها كما رواه البغوي في معالم التنزيل : ص ٨٩٢. ورواه أبو داود في السنن : كتاب الحدود : باب في الرجم : الحديث (٤٤١٧) ، وفيه الفضل بن دلهم ، ليس بالحافظ كان قصابا بواسط. وفي مجمع الزوائد : ج ٦ ص ٢٦٥ ؛ قال الهيثمي : (رواه الطبراني وفيه الفضل بن دلهم وهو ثقة ، وأنكر عليه هذا الحديث من هذا الطريق فقط ، وبقية رجاله ثقات).
(٢) ذكره القرطبي مختصرا في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٢ ص ١٨٤. والبغوي في معالم التنزيل : ص ٨٩٢. وأصله ذكره مقاتل في التفسير : ج ٢ ص ٤٠٩. وفي جامع البيان : الأثر (١٩٥٤٥) ذكر الطبري بإسناده عن عكرمة قال : (والذي استفتى عاصم بن عدي).