الغنويّ ، كان قد أمره النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وكان يحمل ضعفة (١) المسلمين من مكّة إلى المدينة ، ومن المدينة إلى مكّة ، وكانت له صديقة في الجاهليّة يقال لها : عناق ، فلقيته بمكّة فدعته إلى نفسها فأبى وقال : إنّ الإسلام قد حال دون ذلك ، فقالت له : فانكحني ، فقال : حتّى أشاور رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسعت به إلى المشركين ، فهرب إلى المدينة وأخبر النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وشاوره في تزوّجها ، فأنزل الله هذه الآية) (٢). وبيّن أن نكاح المشركة زنا ؛ لأنّها لا تحلّ له ، وقرن بين الزّنا والشّرك على طريق المبالغة في الزّجر عن الزّنا حين كان القوم يألفون الزنا ألفا شديدا.
وكان بحسب ظاهر الآية أن يكون للزاني أن يتزوج المشركة ، وللزّانية أن تتزوج المشرك ، ولا خلاف أن ذلك غير جائز ، وأنّ نكاح المشركات وتزوّج المشركين منسوخ بقوله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ،) وبقوله (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا)(٣).
وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ معنى الآية : الزاني لا يطأ إلّا زانية ؛ أي لا يزني حين يزني إلّا بزانية مثله ، وكذلك الزانية لا يزني بها إلّا زان مثلها ، حتى إذا طاوع أحدهما الآخر ، فهما سواء في استحقاق الحدّ وعقاب الآخرة ، فكأنّ المراد بالنكاح الوطء.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ؛) أي يرمونهم بالزنا ، (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ ؛) على صحّة قذفهم إياهنّ بالزنا ، (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً.). والمحصنات : الحرائر المسلمات البالغات العاقلات العفيفات عن فعل الزّنا. وفي ذكر عدد الأربعة من الشّهود دليل على أن المراد القذف بصريح الزنا ؛ لأن هذا العدد
__________________
(١) الضّعفة : الأسارى عند أهل مكة من المسلمين المستضعفين. في رواية أبي داود والترمذي والنسائي.
(٢) رواه أبو داود في السنن : كتاب النكاح : باب في قوله تعالى : الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً : الحديث (٢٠٥١). والترمذي في الجامع : أبواب التفسير : الحديث (٣١٧٧). والنسائي في السنن : كتاب النكاح : باب تزوج الزانية : ج ٦ ص ٦٦. وإسناده صحيح.
(٣) البقرة / ٢٢١.