إليهم بشرا ، (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ ؛) أي قالوا : ما نوح إلّا رجل به جنون ، (فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) (٢٥) ؛ أي فانتظروا حتى يموت فنستريح منه.
فلما يئس من إيمانهم ؛ (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) (٢٦) ؛ أي أعنّي عليهم بتكذيبهم إيّاي وجحودهم نبوّتي ، والمعنى : انصرني عليهم بإهلاكهم جزاء لهم بتكذيبهم.
قوله تعالى : (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا ؛) أي وأرسلنا إليه جبريل أن يعلّمه صنعة الفلك ليصنعها بمرأى منّا ، (فَإِذا جاءَ أَمْرُنا ؛) بنجاتك وإهلاكهم ، (وَفارَ التَّنُّورُ ؛) ونبع الماء من تنّور الخسارة. وعن عليّ رضي الله عنه : (أنّ معنى قوله (وَفارَ التَّنُّورُ) أي طلع الفجر).
قوله تعالى : (فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ؛) أي احمل في السّفينة من كلّ ذكر وأنثى ، كما روي أنّ الله تعالى حشر إليه جميع الحيوانات حتى أخذ من كلّ جنس زوجا ، ويقرأ (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ) بالتنوين ، فعلى هذه القراءة يكون الفعل واقعا على زوجين ، وأما على القراءة الثانية فالفعل واقع على اثنين (١).
قوله تعالى : (وَأَهْلَكَ ؛) معناه : واحمل فيها أهلك ، (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ؛) أي إلّا من حقّ عليه العذاب (مِنْهُمْ ،) لكفره وهو ابنه كنعان وامرأته وأهله. قوله تعالى : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ؛) أي لا تسألني نجاة الذين ظلموا من أهلك ، (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (٢٧) ؛ مع الأجانب.
قوله تعالى : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ ؛) أي إذا اعتدلت في السفينة راكبا واستقرّ بك ولمن معك الفلك في الماء ، (فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ؛) أي أحمد الله ، (الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً ؛) أي أنزلني من السّفينة موضعا مباركا. وقال بعضهم : أراد به الإنزال في السّفينة وهو
__________________
(١) ينظر : الحجة للقراء السبعة : ج ٣ ص ١٨١ ـ ١٨٢.