قوله تعالى : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً ؛) أي صيّرنا النطفة دما منعقدا ، ثم صيّرنا الدم لحما بلا عظم ، والمضغة : هي القطعة الصغيرة من اللّحم. وقوله تعالى : (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً ؛) أي حولنا المضغة عظاما ، (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ؛) أي ثم ألبسنا العظام لحما ؛ ليكون أبهى في النظر وليكون اللحم وقاية للعظم. وقرأ ابن عامر : (فخلقنا المضغة عظما فكسونا العظم لحما) (١).
قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ ؛) بأن جعلنا فيه الرّوح بعد أن لم يكن ، ثم جعلناه ذكرا أو أنثى إلى أن أعطيناه الفهم والتمييز ليأخذ ثدي أمّه عند الحاجة فيرتضع ويشتكي إذا تضرّر بشيء. وقال مجاهد : (معنى قوله : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) يعني سوّينا شبابه). وقال قتادة : (يعني أنبتنا شعره وأسنانه) (٢). وقيل : معناه : أعطيناه العقل والقوّة والفهم ، وربّيناه حالا بعد حال إلى أن بلغ أن يتقلّب في البلاد.
وقيل : إذا اجتمع الماء المتخلّق منه الولد ، فأول الحالات أن يزيد ، ثم يستحيل ذلك الماء علقة ، وهو دم غبيط ، ثم يصير مضغة ، وفي تلك الحالة تظهر الأعضاء النّفيسة كالقلب والدّماغ والكبد ، فالقلب أول عضو مكوّن ثم الدماغ ثم الكبد ، ثم ينحّى بعضها عن بعض ، وتخطّط الأطراف ، ثم يصير لحما على عظام ، وعظام البدن مائتان وأربعون عظما ، فإذا نفخ فيه الروح لأربعة أشهر انقسم دم الحيض ثلاثة أقسام : قسم يتغذى به الولد ، وقسم يحتبس إلى النّفاس ، وقسم يصعد إلى الثّدي.
وإنّما ينفخ الرّوح في الجنين لأربعة أشهر ؛ لأنه يكون نطفة أربعين يوما ، ثم يكون علقة أربعين يوما ، ثم يصير مضغة أربعين يوما ، ثم ينفخ فيه الرّوح. ويكون
__________________
(١) في المخطوط تصحيف : رسمها الناسخ بلفظ : (فخلقنا المضغة عظاما فكسونا المضغة لحما) وهو غير مناسب ، والصحيح ما أثبتناه. وهي قراءة ابن عامر وأبي بكر : (عظما) بسكون الظاء على التوحيد في الموضعين ، يريد الإفراد لا الجمع. ينظر : معالم التنزيل : ص ٨٧٩. وتفسير ابن عطية : ص ١٣٢٥.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : ج ١٠ ص ١٥ : النص (١٩٢٧٢).