وقرأ الكسائيّ (لقد علمت) بضمّ التاء ، وهي قراءة عليّ (كرّم الله وجهه) وقال : (والله ما علم عدوّ الله ، ولكن موسى هو الّذي علم) (١) فبلغ ذلك ابن عبّاس فقال : (إنّه (لَقَدْ عَلِمْتَ) تصديقا لقوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا)(٢)). وقراءة النصب أصحّ وأشهر ، وليست قراءة الضمّ مشهورة عن عليّ رضي الله عنه ولا ثابتة ، وإنما رواها عنه رجل مجهول لا يعرف ، ولا تمسّك بها أحد من القرّاء غير الكسائيّ.
وقوله تعالى : (مَثْبُوراً) قال ابن عبّاس : (مغلوبا) (٣) ، وقال مجاهد : (هالكا) (٤) ، وقيل : مخبّلا لا عقل لك ، وقيل : بعيدا من الخيرات ، وقيل : سلاخا (٥) في القطيفة ، قال مجاهد : (دخل موسى على فرعون وعليه قطيفة ، فألقى عصاه فرأى فرعون ثعبانا ففزع وأحدث في القطيفة) (٦).
وروى أبو سعيد الجوهريّ قال : (كنت قائما على رأس المأمون وهو يناظر رجلا وهو يقول : يا مثبور ، ثمّ أقبل إليّ فقال : ما معنى (مَثْبُوراً)؟ قلت : لا أدري ، فقال : حدّثني الرّشيد قال : حدّثني المهدي قال : كنت جالسا عند أمير المؤمنين المنصور ، فسمعته يقول لرجل : يا مثبور ، فقلت : يا أمير المؤمنين ما معنى يا مثبور؟ قال ميمون : قال ابن عبّاس في قوله تعالى (يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) ما مثبورا؟ قال : ناقص العقل).
قوله تعالى : (فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ) ؛ أي فأراد فرعون أن يزعج بني إسرائيل ، ويخرجهم من أرض مصر قهرا. والاستفزاز : هو الخوف بالشدّة ، ويجوز أن يكون المراد به أنه قصد قتلهم ، (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً) (١٠٣) ؛
__________________
(١) في جامع البيان : تفسير الآية ؛ قال الطبري : (وروي عن علي) وذكره.
(٢) النمل / ١٤.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٧١٥٩).
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٧١٦).
(٥) سلاخه : إذا انتشر بسره ، فكأنه أحدث في قطيفته. ينظر : لسان العرب (سلخ).
(٦) ينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ١٠ ص ٣٣٧.