قوله تعالى : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (٨١) ؛ معنى : الحقّ هو ما جاء به النبيّ صلىاللهعليهوسلم من الشّرائع والإسلام ، وما جاء به من القرآن ، وقال السديّ : (الحقّ الإسلام ، والباطل الشّرك). ومعنى (زَهَقَ) : بطل واضمحلّ.
قال ابن مسعود وابن عبّاس : (لمّا افتتح رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكّة ، وجد حول الكعبة ثلاثمائة وستّين صنما ، فجعل يطعنها بمخصرة في يده ويقول : [جاء الحقّ وزهق الباطل ، إنّ الباطل كان زهوقا] فكان الصّنم ينكبّ لوجهه ، وكان أهل مكّة يتبعونه ويقولون فيما بينهم : ما رأينا رجلا أسحر من محمّد) (١).
قوله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ؛) أي شفاء للمسلمين في الدّنيا والآخرة ، يتبرّكون بقراءته على أنفسهم ، ويستعينون به على دفع الأسقام والبلايا. وقيل : شفاء للقلوب يزول به الجهل منها كما يشفى المريض.
قوله تعالى : (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي نعمة من الله تعالى عليهم ، وكون القرآن شفاء ؛ أي يزيل عمى الجهل وحيرة الشكّ ، فهو شفاء من داء الجهل. وقال ابن عبّاس : (يريد شفاء من كلّ داء) ، ويؤيّد هذا ما روي أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : [من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله](٢). قوله تعالى : (وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) (٨٢) ؛ أي لا يزاد الكفار عند نزول القرآن إلا خسارا لأنه لا ينتفع به.
قوله تعالى : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ ؛) أي أنعمنا عليه بكشف الضّرّ وتبديل البؤس بالنعمة ، (أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ ؛) أي أعرض عن شكره وتباعد عن ذلك بنفسه ، وقوله تعالى : (وَنَأى بِجانِبِهِ) أي تعظّم وتكبّر وبعّد نفسه عن القيام بحقوق النّعم. يريد بالإنسان ، قال ابن عبّاس : (يريد بالإنسان الوليد بن المغيرة).
__________________
(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : ج ١٠ ص ٢٢٢ : الحديث (١٠٥٣٥). وفي الأوسط : ج ٣ ص ١٥٩ : الحديث (٢٣٢٤). وفي الصغير : الحديث (٢١٠) من حديث ابن مسعود ، وأصله عند البخاري ومسلم.
(٢) عزاه المتقي الهندي في كنز العمال : الرقم (٢٨١٠٦) إلى الدارقطني في الإفراد عن أبي هريرة ، وإسناده ضعيف.