رائحتهم كرائحة الضّأن حتى نتّبعك ، فهمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يفعل رجاء أن يسلموا ، فأنزل الله هذه الآيات.
وقوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها ؛) وذلك أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم لمّا قدم المدينة ، حسدته اليهود قالوا له : يا محمّد أنبيّ أنت؟ فقال : [نعم] قالوا له : والله لقد علمت ما هذه بأرض الأنبياء ، وإنّ أرض الأنبياء الشّام ، كان بها إبراهيم وعيسى ، فإن كنت نبيّا فأت الشّام ، فإنّ الله سيمنعك بها من الرّوم إن كنت رسوله ، وهي الأرض المقدّسة وأرض المحشر. فهمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يخرج إلى الشّام ، فنزل جبريل بهذه الآية (١). ومعناها : وقد كادوا ليستفزّونك من أرض المدينة ليخرجوك منها إلى الشّام ، (وَإِذاً ؛) لو أخرجوك ، (لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً) (٧٦) ؛ أي الّا مدّة يسيرة حتى يهلكهم الله. ومن قرأ (خِلافَكَ) فمعناه : في مخالفتك.
قوله تعالى : (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا ؛) نصب على المصدر ؛ أي سنّ لهم سنّة من قد أرسلنا ، فإن سنّة الله قد جرت في من قبلك من الرّسل بأنّ أممهم إذا أخرجوهم من مواضعهم لم يلبثوا إلا قليلا ، والسّنّة : هي العادة الجارية. وقوله تعالى : (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) (٧٧) ؛ أي لا يقدر أحد على تحويل السّنة التي أجراها الله.
وقال مجاهد وقتادة : (همّ أهل مكّة بإخراج النّبيّ صلىاللهعليهوسلم من مكّة حين شاوروا فيما بينهم ، ولو فعلوا ما أمهلوا ، ولكنّ الله كفّهم عن إخراجه حتّى أمره بالخروج).
__________________
ـ القرظي. وأولى هذه الأقوال ما نقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٠ ص ٣٠٠ ؛ قال : (ما كان منه همّ بالركون إليهم ، بل المعنى : لو لا فضل الله عليك لكان منك حيل إلى موافقتهم ، ولكن تمّ فضل الله عليك فلم تفعل ؛ ذكره القشيري. وقال ابن عباس : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم معصوما ، ولكن هذا تعريف للأمة لئلا يركن أحد منهم إلى المشركين في شيء من أحكام الله وشرائعه).
(١) نقله الزاحدي في أسباب النزول : ص ١٩٦. والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٠ ص ٣٠١. وابن عادل الحنبلي في اللباب : ج ١١ ص ٣٥٢ ؛ وقال : هذا قول الكلبي.