تسمع العرب أنّك أعطيتنا ما لم تعط غيرنا ، فإن خفت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا ، فقل الله أمرني بذلك! فسكت النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ولم يقل لا ؛ رجاء أن يسلموا ، فأنزل الله هذه الآية (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ)(١) أي يصرفونك عن الذي أمرناك من كسر آلهتهم وعيب دينهم ؛ لتفتري علينا غير الذي أمرناك به ، فلو فعلت ما أرادوه ، (وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) (٧٣) ؛ أي صفيّا لمبايعتك إيّاهم.
قوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (٧٤) ؛ أي لقد كدت تميل إليهم ، قال ابن عبّاس : (يعني حين سكتّ عن جوابهم). قوله تعالى : (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ؛) أي إنّك لو ملت إليهم لأذقناك ضعف عذاب الدّنيا ، وضعف عذاب الآخرة ، يريد عذاب الآخرة ضعف ما يعذب به غيره ، (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) (٧٥) ؛ أي مانعا يمنعنا من تعذيبك ، قال ابن عبّاس : (ورسول الله صلىاللهعليهوسلم معصوم ، ولكن هذا تخويفا لأمّته ؛ لئلّا يركن أحد من المؤمنين إلى أحد من المشركين في شيء من أحكام الله تعالى وشرائعه ، فلمّا نزلت هذه الآية قال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : [اللهمّ لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، ولا أدنى من ذلك](٢).
وذهب السديّ في هذه الآيات : (إلى أنّ قريشا قالت للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم : إنّك ترفض آلهتنا كلّ الرّفض ، فلو أنّك تأتيها وتلمسها وتبعث بعض ولدك فيمسحها ، كان أرقّ لقلوبنا وأحرى أن نتّبعك! فهمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يبعث بعض ولده فيمسحها ، فنهاه الله عن ذلك) (٣). ويقال : إنّهم قالوا : أطرد سقاط الناس ومواليهم ، هؤلاء الذين
__________________
(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : ج ٩ ص ٥٤ : الحديث (٨٣٧٢) عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص. وأبو داود في السنن : كتاب الخراج : باب ما جاء في خبر الطائف : الحديث (٣٠٢٥) مختصرا. والطبري في جامع البيان : الحديث (١٧٠٠٦) عن ابن عباس رضي الله عنهما. والواحدي في أسباب النزول : ص ١٩٦.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٧٠٠٧) عن قتادة مرسلا.
(٣) بمعناه أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير : الرقم (١٣٣٥٠) عن ابن عباس ، و (١٣٣٥١) عن ابن جبير ، و (١٣٣٥٢) عن الزهري ، و (١٣٣٥٣) عن ابن نفير ، و (١٣٣٥٤) عن محمّد بن كعب