علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه ، وقصّ عليهم جميع ما عملوه به من إلقائهم إياه في الجب ، وبيعهم له وقولهم : إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ، وفعلهم بأخيه حتى صار ذليلا فيما بينهم. وأراد بقوله (إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) جهالة الصّبا ، وقيل : أراد إذ أنتم شباب أحداث لا تعرفون أمور الدين.
فلما قصّ عليهم ذلك ، (قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا ؛) بصبرنا على الشدّة ، (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ ؛) المعاصي ، (وَيَصْبِرْ ؛) على الشدائد ، (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ ؛) أي ثواب (الْمُحْسِنِينَ) (٩٠).
قوله تعالى : (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا ؛) أي فضّلك بما أنعم عليك ، (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) (٩١) ؛ أي وقد كنّا عاصين لله في ما فعلنا ، وهذا يدلّ على أنّهم ندموا على ما فعلوا.
قوله تعالى : (قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ؛) أي لا تعيير عليكم اليوم ؛ أي لا أذكر لكم ذنبكم بعد هذا اليوم. وقال ابن عبّاس : (لا لوم عليكم). قوله تعالى : (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (٩٢) ؛ بعباده.
قوله تعالى : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي ؛) أي قال لهم : اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يرجع ، (يَأْتِ بَصِيراً ؛) كما كان ، قال الضحّاك : (كان ذلك القميص من نسج الجنّة). وقوله تعالى : (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) (٩٣) ؛ روي أنّهم كانوا نحو سبعين إنسانا.
وقوله تعالى : (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ ؛) روي أنه لمّا خرجت القافلة من العريش وهي قرية بين مصر وكنعان ، بينهم وبين يعقوب ثمانية أيّام ، (قالَ أَبُوهُمْ ،) قال يعقوب لولد ولده ، وكان أولاده كلّهم بمصر : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ.) روي أن الريح حملت رائحة يوسف إلى أبيه. قوله تعالى : (لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) (٩٤) ، تسفّهوني في الرأي لقلت إنه حيّ.
وقال الخليل : (الفند إنكار العقل من هرم ، يقال شيخ مفند ، ولا يقال عجوز مفندة ؛ لأنّها لم تكن في شبيبتها ذات رأي فتفند). وقال ابن عبّاس : (تفنّدون