يحسبن أنّهن يقطّعن الأترج ، ولم يجدن الألم لاشتغال قلوبهن برؤية يوسف. قال وهب : (وبلغني أنّ سبعا من الأربعين ممّن كنّ في ذلك المجلس وجدن بيوسف عليهالسلام).
وقوله تعالى : (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً ؛) أي قلن معاذ الله أن يكون هذا آدميّا ، (إِنْ هذا ،) بل هو ، (إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) (٣١) ؛ من السّماء ، فشبّهنه بالملك وهنّ لا يرين الملك ، ولكنّ الناس إذا وصفوا بالحسن شبّهوا بالملك. ومعنى (حاشَ لِلَّهِ) أي تنزيها لله ، وفي قراءة الحسن (إن هذا إلّا ملكّ كريم) بكسر اللام ، ويقرأ (ما هذا بشري) أي بعبد مشترى ، وليست هذه القراءة بشيء.
قوله تعالى : (قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ؛) أي قالت زليخا : فذلكنّ الّذي لمتنّني فيه في حبه وشغفي به ، وذا إشارة إلى يوسف ولكن مخاطبة لهن ، ثم أقرّت لهن فقالت : (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ؛) أي دعوته إلى مرادي فامتنع بالعفّة ، (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ) ما أدعوه إليه ، (لَيُسْجَنَنَ) في السّجن ، (وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) (٣٢) ؛ أي الأذلّاء فيه مع السّرّاق ، وجعلت تقول هذا القول منها قبالته وهو جالس يسمع.
قال ابن عبّاس : (فلمّا قالت زليخا هذا القول ، قال هؤلاء النّسوة ليوسف : أطع مولاتك) فقال كما قال تعالى : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) أي قال يوسف : يا رب نزول السجن أحبّ إليّ مما يدعونني إليه من قبيح الفعل ، والسّجن أسهل عليّ من المعصية. ومن قرأ (السّجن) بفتح السين فهو المصدر.
قوله تعالى : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ؛) أي وإلّا تلطف بي بما يصرف عنّي كيدهن أمل إليهنّ بهواي ، (وَأَكُنْ مِنَ ؛) بمنزلة ، (الْجاهِلِينَ) (٣٣) ، في فعلي. وفي هذا دليل على أنّ النسوة طلبن منه مثل ما طلبت امرأة العزيز ، فإنه روي أنّهن لمّا رأين يوسف استأذنّ امرأة العزيز أن تخلو كلّ واحدة منهن به ، وتدعوه إلى امرأة العزيز وإلى طاعتها ، فلمّا خلون به دعته كلّ واحدة منهن إلى نفسها.