قوله تعالى : (قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا ؛) أي قالوا يا شعيب : أكثرة صلواتك التي تفعلها تأمرك أن نترك عبادة ما يعبد آباؤنا ، وتأمرك أن تأمرنا بأن لا نفعل في أموالنا ما نشاء ، وقال عطاء : (معنى قوله : أصلاتك ؛ أي دينك يأمرك ، فكنّى عن الدّين بالصّلاة ؛ لأنّها من أمر الدّين ، وكان شعيب كثير الصّلاة ، فلذلك قالوا هذا).
قوله تعالى : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (٨٧) ؛ السفيه الجاهل ، فذكروا الحليم الرشيد على جهة الاستهزاء ، هكذا روي عن ابن عبّاس ، ويقال : قالوا ذلك على جهة التحقيق إنك لأنت الحليم الرشيد في قومك ، فكيف تنهانا عن عبادة ما يعبد آباؤنا وعن أن نفعل في أموالنا ما نشاء من البخس والتّطفيف ، كأنّهم استبعدوا أن يكون آباؤهم قد أخطأوا في دينهم ورباهم.
قوله تعالى : (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ؛) أي قال لهم شعيب : أخبروني إن كنت على دلالة واضحة من ربي ، (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً ؛) قيل : أراد النبوّة فإنّها أعظم رزق الله تعالى. وقيل : أراد به المال الحلال. قال ابن عبّاس : (كان شعيب عليهالسلام كثير المال كثير الصّلاة) ، وقيل : معنى قوله (رِزْقاً حَسَناً) أي علما ومعرفة. وأما جواب قوله (إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي) المال الحلال اتبعه الضلال فأبخس وأطفّف ، أشوب الحلال بالحرام كما تفعلون به.
قوله تعالى : (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ ؛) أي ما أريد أن تتركوا ما نهيتكم عنه لأعمل أنا به فانتفع ، والمعنى لست أنهاكم عن شيء ثم أدخل فيه ، (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ؛) أي ما أريد إلا الإصلاح في أمر الدين والمعاش بقدر استطاعتي ، (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ ؛) أي ما توفيقي للصّلاح إلا من الله ، والتوفيق من الله : هو كلّ فعل يتّفق مع العبد عند اختيار الطّاعة والصّلاح ، ولولاه لكان يختار خلاف ذلك. قوله تعالى : (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ؛) أي فوّضت أمري إلى الله ، وقوله تعالى : (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (٨٨) ؛ أي أرجع.
قوله تعالى : (وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ ؛) أي يا قوم لا يكسبنّكم عداوتي أن لا تؤمنوا فيصيبكم مثل ما أصاب قوم