كما روي أنّ إبراهيم عليهالسلام قام من الليل يصلّي وهو يقول : يا رب أتهلك قوم لوط؟ قيل : يا إبراهيم ليس فيهم مؤمنون ، قال : يا رب فإن كان فيهم خمسون أهل بيت مؤمنون أتهلكهم؟ قيل : لا ، قال : فأربعون؟ قيل : لا ، فلم يزل يردّد حتى قيل : إن كان فيهم خمسة أبيات مؤمنين رفعنا عنهم البلاء (١). يقول الله تعالى : (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(٢).
قيل : لمّا جادلهم إبراهيم عليهالسلام قالت له الرّسل : يا إبراهيم أعرض عن هذا الجدال ، إنه قد جاء أمر ربك بعذابهم ، وإنّهم آتيهم عذاب غير مردود ، قوله : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ ؛) أي وقور بطيء الغضب ، والحليم : المحتمل للأذى مع قدرته على العقوبة والمكافأة ، (أَوَّاهٌ ؛) بالدعاء ، ويقال : الرحيم ، ويقال : المتأوّه خوفا وأسفا على الذّنوب ، و (مُنِيبٌ) (٧٥) ؛ هو الراجع إلى الله.
قوله تعالى : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ؛) أي عن جدالك ، (إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) بهلاكهم ، (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (٧٦) ؛ غير منصرف عنهم.
قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً ؛) يعني لمّا جاءت الملائكة لوطا ساءه مجيئهم ، وضاق بهيأتهم قلبه (٣) ؛ فإنّهم جاؤه في صورة الغلمان المرد الحسان ، وكان قد علم عادة قومه ، فخاف عليهم من صنع قومه ، (وَقالَ ؛) في نفسه : (هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ) (٧٧) ؛ أي شديد لازم شرّه كالمعصوب بالعصبة ، كأنّه قال : هذا يوم التفّ الشرّ فيه بالشرّ ، وأما ضيق الذرع فيوضع موضع ضيق الصّدر ، يقال : ضاق فلان بأمره ذرعا إذا لم يجد من المكره في ذلك مخلصا.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الآثار (١٤١٥٨ ـ ١٤١٦٤). وابن أبي حاتم في التفسير : الأثر (١١٠٤٠).
(٢) الذاريات / ٣٦.
(٣) في المخطوط : (قبله) وما أثبتناه يناسب معنى السياق.