وقوله تعالى : (قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (٥٤) (مِنْ دُونِهِ ؛) أي قال هود : إنّي أشهد الله على نفسي ، واشهدوا أنتم أيضا أنّي بريء مما تشركون مع الله في العبادة ، ولم يكن إشهاده إيّاهم للاحتجاج بقولهم ، وإنما هو للاحتجاج عليهم.
قوله تعالى : (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) (٥٥) ؛ أي إن قدرتم على قتلي أنتم وآلهتكم ، أو على إنزال السّوء ، فافعلوا ولا تمهلوني طرفة عين ، ولم يقل هذا على جهة الأمر لهم ، وإنما قال لبيان عجزهم.
قوله تعالى : (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ؛) أي فوّضت أمري إلى خالقي وخالقكم متمسّكا بطاعته وتاركا لمعصيته ، وهذا هو حقيقة التوكّل على الله.
وقوله تعالى : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ؛) أي ما من أحد إلا وهو في قهر الله وتحت قدرته ، وإنما جعل الأخذ بالناصية كناية عن ذلك ؛ لأنّك إذا أخذت بناصية غيرك فقد قهرته وأذللته ، والنّاصية مقدم شعر الرأس ، قوله تعالى : (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥٦) ؛ أي هو في تدبير عباده لا يفعل إلا الحقّ ، فإنه عادل لا يجور ، ويقال : إن معناه : أن طريق العبادة على الله كما قال تعالى (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ)(١).
قوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ؛) أي فإن تولّوا عن الإيمان فما هو تقصير مني في إبلاغ الرسالة ، ولكن لسوء اختياركم ، (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ ؛) أطوع له منكم ؛ أي يهلككم بعذاب استئصال ، قد يستخلف بهلاككم قوما غيركم أطوع له منكم ، (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً ؛) أي لا تقدرون على أن تنقصوا شيئا من ملكه وهو سبحانه لا يجوز عليه المضارّ. قوله تعالى : (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ؛) (٥٧) أي هو شاهد على أعمال العباد للمجازاة ، لا يخفى عليه شيء منها.
__________________
(١) الفجر / ١٤.