قوله تعالى : (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٧) ؛ معناه : ولئن قلت يا محمّد للكفار : إنّكم مبعوثون من بعد الموت ، ليقولنّ الذين كفروا : ما هذا إلا تمويه ليس له حقيقة ، وقد أقرّوا أنّ الله خالق السموات والأرض ، ويمسكها بغير عمد ، لا يعجزه شيء فكيف يشكّون في البعث بعد الموت.
قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ ؛) معناه : ولئن أخرنا العذاب عن الكفار ، (إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ،) ليقولون : (ما يَحْبِسُهُ ،) ما منعناه ، قال ابن عبّاس ومجاهد : (يعني إلى أجل وحين) ، والأمّة ههنا المدة ، ليقولنّ ما يحبس هذا العذاب عنّا إن كان ما يقوله محمّد حقّا ، يقول الله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ ؛) العذاب ، (لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ ؛) لا يقدر أحد على صرفه عنهم.
فالمعنى : أنّهم لمّا قالوا : ما يحبس العذاب عنّا على وجه الاستهزاء ، قال الله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ) يعني إذا أخذتهم سيوف النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه لم تغمد عنهم حتى تعلو كلمة الإخلاص. قوله تعالى : (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٨) ؛ أي نزل بهم جزاء استهزائهم وهو العذاب.
قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ) لا يصبر على سلب تلك النعمة ، ويصير أيئس شيء أقنطه من رحمة الله ، قال ابن عبّاس : (نزلت في الوليد بن المغيرة) ، وقيل : في عبد الله بن أبي أميّة المخزوميّ (١). والرحمة ههنا الرّزق ، وقوله : (كَفُورٌ) (٩) ؛ أي لا يشكر نعم الله قبل أن تسلب عنه ، ولا يصبر بعد أن سلبت.
قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي ؛) أي ولئن أذقنا الكافر النّعم الظاهرة بعد المضرّة الظاهرة التي أصابته ، ليقولنّ الكافر : ذهب الشدائد والضرّ والفاقة والآلام عنّي ، ويفرح بذلك ويبطر ويفجر به على الناس من دون أن يشكر الله على كشف الشدائد عنه.
__________________
(١) ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ٩ ص ١٠ ـ ١١.