حتى لا ينزل بهم مثل ما نزل بقوم نوح ، وتسلية للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ليصبر على أذاهم كما صبر نوح عليهالسلام على أذى الكفّار مع قلّة من معه من المؤمنين.
قوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ ؛) أي ثم بعثنا من بعد نوح رسلا مثل هود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وغيرهم إلى قومهم ، (فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ؛) بالحجج والبراهين ، (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا ؛) ليصدّقوا ، (بِما كَذَّبُوا بِهِ ؛) في الابتداء ، والمعنى : فما كان الذين بعث إليهم الرسل ليؤمنوا بما كذبوا ، (مِنْ قَبْلُ ؛) يعني قوم نوح عليهالسلام ؛ أي لم يصدّقوا به ، كما كذب قوم نوح ، وكانوا مثلهم في الكفر والعنف. قوله : (كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) (٧٤) ؛ قال ابن عبّاس : (يريد الله تعالى طبع على قلوبهم فأعماها فلا يبصرون سبيل الهدى). وما بعدها من الآيات :
ظاهر التفسير (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (٧٥ فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦ قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) (٧٧).
قوله تعالى : (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا ؛) أي قالوا لموسى عليهالسلام : أجئتنا لتصرفنا عما وجدنا عليه آباءنا ، واللّفت هو الصّرف. قوله تعالى : (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ ؛) أي ويكون لك ولهارون السلطان والملك والشرف في أرض مصر ، (وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ) (٧٨) ؛ أي بمصدّقين. وإنما سمّى الملك كبرياء ؛ لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدّنيا ، والكبرياء استحقاق صفة الكبر في أعلى المراتب ، فلهذا لا يجوز أن يوصف به أحد غير الله.
قوله تعالى : (وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) (٧٩) ؛ أي بكلّ حاذق بالسّحر ، (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) (٨٠) قال هذا لهم على وجه التعجيز لهم ، إنّكم لا تقدرون على إبطال أمري ، فيكون هذا