قوله تعالى : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ ؛) أي ما يغيب وما يبعد ، (مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ ،) من وزن نملة حميراء صغيرة من أعمال العباد ، (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ) ولا أخفّ من الوزن من الذرّة ، (وَلا أَكْبَرَ ،) ولا أثقل منه ، (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٦١) ، إلّا وهو مع علم الله تعالى ومكتوب في اللوح المحفوظ. والعزوب البعد والذهاب ، ويعزب بضمّ الزاي وكسرها لغتان. قوله تعالى : (مِثْقالِ ذَرَّةٍ) أي وزن ذرّة ، ومثقال الشيء ما وازنه.
قال الفرّاء : (من نصب قوله تعالى : (أَصْغَرَ) و (أكبر) فإنّما أراد الخفض يتبعهما المثقال والذرّة ، إلّا أنّهما لا ينصرفان ؛ لأنّهما على وزن أفعل اتّباع معنى المثقال ؛ لأنّك لو لقيت من المثقال من كان رفعا وهو كقوله : ما أتاني من أحد عاقل وعاقل ، وكذلك : ما لكم من إله غيره وغيره) (١).
وقيل : رفع على الابتداء ، وخبره (إِلَّا فِي كِتابٍ) فمن قرأ (ولا أصغر ولا أكبر) بالنصب فالمعنى : وما يعزب عن ربك من مثقال ذرّة ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر. ومن رفع فالمعنى : وما يعزب عن ربك مثقال ذرّة ، ولا أصغر ولا أكبر.
قوله تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٢) معناه : ألا إنّ أولياء الله تولّاهم الله بحفظه وحياطته ، لا خوف عليهم يوم القيامة ولا هم يحزنون على ما اختلفوا في الدّنيا ، وقوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) (٦٣) ؛ تفسير أولياء الله ؛ أي الذين يؤمنون بمحمّد صلىاللهعليهوسلم والقرآن ، ويتّقون الشّرك والفواحش ، وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنّه سئل عن أولياء الله فقال : [هم المتحابّون في الله](٢) ، وعنه صلىاللهعليهوسلم قال : [هم الّذين إذا رؤوا ذكر الله](٣) يعني إذا رآهم العامّة ذكر من أجل سيماهم في وجوههم.
__________________
(١) في معاني القرآن : ج ١ ص ٤٧٠ : تفسير الآية.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٣٧٢٨) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٣٧٢٤) بأسانيد عديدة مرسلة ، وأصله في الرقم (١٣٧٢١) عن ابن عباس قال : ((الذين يذكر الله لرؤيتهم)).