قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ ؛) أي قل يا محمّد لأهل مكّة : أرأيتم ما أنزل الله لكم في الكتاب من رزق جعله لكم حلالا طيّبا من الأنعام والحرث ، (فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً ؛) أي جعلتم البحائر والسّوائب حلالا للرّجال منفعة ، وحراما على النساء ، وجعلتم لآلهتكم من الحرث نصيبا فحرّمتموه على النساء ، وأحللتموه للرجال ، والله سبحانه لم يحرّم شيئا من ذلك ، (قُلْ ؛) لهم يا محمد : (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ ؛) أمركم بتحريمه ، (أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) (٥٩) ؛ تختلقون الكذب ، يعني : بيّنوا الحجة في ذلك ، وإلّا فأنتم تفترون على ربكم.
ثم أوعدهم على الكذب فقال : (وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ ؛) أي ما ظنّ الذين يكذبون على الله في التحليل والتحريم ماذا يفعل بهم يوم القيامة ، أتظنّون أن الله لا يعاقبهم على افترائهم عليه؟ قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ؛) أي لذو منّ عليهم بتأخير العذاب عنهم ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) (٦٠) ؛ نعم الله.
قوله تعالى : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ؛) أي وما تكون في أمر من الأمور ، وقال الحسن : (من شأن الدّنيا وحوائجك فيها ، وما تتلوا منه ، أي من الله نازل منه من قرآن يوحى إليك من سورة أو آية تقرأ على أمّتك).
والخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم وأمّته داخلون فيه ؛ لأنّ خطاب الرئيس خطاب له ولأتباعه ، يدلّ على ذلك قوله : (وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً) أي ما تعملون أنتم جميعا يا بني آدم عامّة ويا أمّة محمّد من خير أو شرّ ، إلّا كنّا على أمركم وتلاوتكم وعملكم شهودا إذ تدخلون فيه. قال الفرّاء : (معناه يقول : الله تعالى شاهد على كلّ شيء) (١) والمعنى ألا يعلمه فيجازيكم به. والإفاضة الدخول في العمل ، وقال ابن الأنباريّ : (إذ تندفعون فيه) وقال ابن عبّاس : (إذ تأخذون فيه).
__________________
(١) قاله الفراء في معاني القرآن : ج ١ ص ٤٧٠.