والجرف : ما تمرّ به السيول من الأودية فتسير جانبه وتنثره ، ولو وقف الإنسان عليه لسقط وانهار ، وشفا الشّيء حرفه وهو مقصور يكتب بالألف وتثنيته شفوان.
قرأ نافع وأهل الشام بضمّ الهمزة والنون على غير تسمية الفاعل ، وقرأ الباقون بفتحهما. قوله تعالى : (عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ ،) قرأ ابن عمر (تقوى) منوّن ، وقوله تعالى (جُرُفٍ) قرأ ابن عامر وحمزة وأبو بكر وخلف بالتخفيف ، وقرأ الباقون بالتّثقيل وهما لغتان ، وهي البرّ التي لم تمطر ، وقال أبو عبيد : (بنى الهوّة والرّمل) والشيء الرّخو وما يجرفه السّيل في الأودية ، والهاير الساقط الذي يتداعى بعضه على إثر بعض كما يتهاوى الرمل ، والشيء الرّخو ، وفي مصحف أبيّ (فانهارت به قواعده في نار جهنّم) (١). قال قتادة : (ذكر لنا أنّه حفرت بقعة منها فرؤي الدّخّان يخرج منها) (٢) ، وقال جابر بن عبد الله : (رأيت الدّخّان يخرج من مسجد الضّرار) (٣).
قوله تعالى : (فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ ؛) أي انهار الجرف بالبناء ؛ أي هار به ؛ أي كما أنّ من بنى على جانب نهر صفة ما ذكرنا انهار بناؤه في النّهر ، فكذلك بناء أهل النّفاق مسجد الشّقاق كبناء على جرف جهنّم يتهوّر بأهله فيها. وقوله تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٠٩) ؛ أي لا يوفّقهم ولا يهديهم الى جنّته وثوابه.
قوله تعالى : (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ؛) أي لا يزال بنيانهم مسجد الضرار حيرة متردّدة في قلوبهم ، ويقال شكّا واضطرابا ، يعني أن شكّهم لا يزال وإن زيل ذلك البناء ، بل يبقى ذلك في قلوبهم حتى خاب أملهم ، اشتدّ أسفهم بأن بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم عامر بن قيس ووحشيا مولى مقطّم بن عديّ فخرّباه وهدماه ، ثم أمر الأنصار بإلقاء الجيف والعذرات الكناسات فيه ، إذ لم يبن لله تعالى ، فبقي ذلك حسرة وندامة في قلوب المنافقين حتى تقطّع قلوبهم ؛ أي حتى يموت على ذلك.
__________________
(١) في جامع البيان : الأثر (١٣٤٠٥) عن ابن عباس.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٣٤٠٧).
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٣٤٠٩).