واختلفوا في ال (لام) التي للمؤمنين ، فقال بعضهم هي زائدة كما في قوله تعالى : (رَدِفَ لَكُمْ)(١) معناه : ردفكم. قال بعضهم : إنما ذكر اللام للفرق بين التّصديق والإيمان ، فإنه إذا قيل : ويؤمن للمؤمنين لم يقبل غير التصديق ، كما في قوله : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا)(٢) أي بمصدّق ، وقوله تعالى : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ)(٣) أي لن نصدّقكم.
قوله تعالى : (وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ؛) قرأ الحسن والأعمش وحمزة بالخفض على معنى : أذن خير وأذن رحمة ، وقرأ الباقون : (ورحمة) بالرفع يعني : هو رحمة ، جعل الله النبيّ صلىاللهعليهوسلم رحمة لهم ؛ لأنّهم إنما نالوا الإيمان بدعائه وهدايته. قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٦١) ؛ وعيد من الله لهؤلاء المنافقين على مقالتهم. قال ابن عبّاس : (فلمّا نزلت هذه الآية جاؤا إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يحلفون أنّهم لم يقولوا فأنزل الله هذه الآية :
قوله تعالى : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ؛) ولم يقل يرضوهما ؛ لأنه يكره الجمع بين ذكر اسم الله وذكر اسم رسوله في كناية واحدة ، كما روي أنّ رجلا قام خطيبا عند النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى. فقال صلىاللهعليهوسلم : [بئس الخطيب أنت! هلّا قلت : ومن يعص الله ورسوله؟](٤). وقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : [لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن قولوا ما شاء الله ، ثمّ شاء فلان](٥) فكره الجمع بين الله وبين غيره في الذكر تعظيما لله. والضمير في قوله (يرضوه) إلى الواحد ؛ لأنّ رضى الله متضمّن رضى رسوله. وقوله : (إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ) (٦٢) ؛ إن كانوا مصدّقين بقلوبهم غير منافقين كما يدّعون ، فطلبهم رضى الله أولى من طلبهم رضاكم.
__________________
(١) النمل / ٧٢.
(٢) يوسف / ١٧.
(٣) التوبة / ٩٤.
(٤) أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٤ ص ٢٥٦. ومسلم في الصحيح : كتاب الجمعة : باب تخفيف الصلاة والخطبة : الحديث (٤٨ / ٨٧٠).
(٥) عن حذيفة رفعه ؛ أخرجه أبو داود في السنن : كتاب الأدب : باب لا يقال خبثت نفسي : الحديث (٤٩٨٠). وابن ماجة في السنن : كتاب الكفارات : باب النهي أن يقال : الحديث (٢١١٨) ، وإسناده صحيح.