قوله تعالى : (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ؛) أي وفيكم قائلون منهم ما يسمعون منهم ، ويقال : في عسكركم عيون لهم ينقلون إليهم ما يسمعون عنكم ، (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (٤٧) ؛ يجازيهم على سوء أفعالهم.
قوله تعالى : (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ ؛) أي وقد طلب هؤلاء المنافقون صدّ أصحابك عن الدين ، وردّهم إلى الكفر ، وتحويل الناس عنك قبل هذا اليوم ، كفعل عبد الله بن أبي يوم أحد ، وقوله تعالى : (وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ؛) أي اختالوا فيك وفي إبطال دينك بالتحويل عنك ، وتشتّت أمرك وكلمتك من قبل غزوة تبوك ، فقلّبوا لك الأمور ظهرا لبطن ، (حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ ؛) أي حقّ الإسلام ، وأظهره الله على سائر الأديان ، (وَهُمْ كارِهُونَ) (٤٨) ؛ لذلك. قوله تعالى : (وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ ؛) أي دين الله.
قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي ؛) نزل في جدّ بن قيس من المنافقين ، دعاه النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى الخروج إلى العدوّ وحرّضه على الجهاد ، فقال لجدّ بن قيس : [هل لك في جلاد بني الأصفر ، فتتّخذ منهم سراري ووصفاء] يعني الرّوم.
وكان الأصفر رجلا من الحبشة ملك الرّوم ، وغلب على ناحية منها ، فتزوجت الحبشة من الرّوم ، فولدت لهم بنات أخذن من بياض الرّوم وسواد الحبشة ، فكنّ صفرا لعسا لم ير مثلهنّ ، فقال له جدّ بن قيس : ائذن لي يا رسول الله أن أقيم ، ولا تفتنّي ببنات الأصفر ، فقد عرف قومي عجبي بالنّساء ، وإنّي أرى المرأة تعجبني فما أملك نفسي حتى أضع يدي على المحرّم ، فلما سمع النبيّ صلىاللهعليهوسلم قوله أعرض عنه وقال : [أذنت لك](١).
وقوله تعالى : (وَلا تَفْتِنِّي) أي ائذن لي في التخلّف ولا تفتنّي ببنات الأصفر ، قال قتادة : (معناه ولا تؤثّمني) (٢) ، وقوله تعالى (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) أي ألا
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الآثار (١٣٠٤٧ ـ ١٣٠٥٠). وينظر : الجامع لأحكام القرآن :
ج ٨ ص ١٥٨. وفي المحرر الوجيز : ص ٨٥١.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٣٠٥٢).