قوله تعالى : (وَهُمْ صاغِرُونَ) (٢٩) ؛ أي ذليلون ومقهورون ، قال عكرمة : (معنى الصّغار هو أن تأخذها وأنت جالس وهو قائم) (١) ، وقال الكلبيّ : (هو أنّه إذا أعطى الجزية صفع في قفاه) (٢) ، وقيل : هو أنه لا يقبل فيها رسالة ولا وكالة.
وتؤخذ الجزية أيضا من الصّابئين والسامريّ ؛ لأن سبيلهم في أهل الكتاب سبيل لأهل البدع فينا ، وتؤخذ الجزية أيضا من المجوسيّ ؛ لأنه قد قيل إنّهم كانوا أهل كتاب فرفع كتابهم ، وعن سعيد بن المسيّب (أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخذ الجزية من مجوس الهجر ، وأخذها عمر رضي الله عنه من مجوس أهل السّواد) (٣).
روي أنّ عمر رضي الله عنه قال : لا أدري كيف أصنع بالمجوس. فقال له عبد الرّحمن ابن عوف رضي الله عنهما : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : [سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب غير ناكحين نساءهم ولا آكلي ذبائحهم](٤).
قوله عزوجل : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ؛) الآية ؛ أي قالت اليهود حين قرأ عليهم عزير التوراة عن ظهر قلب : إن الله لم يجعل التوراة في قلب أحد إلا وهو ابنه! وعن ابن عبّاس رضي الله عنه : (أنّ جماعة من اليهود منهم النّعمان بن أوفى ، وشاس بن قيس ، ومالك بن صيف أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا له : كيف نتّبعك وقد تركت قبلتنا ، ولا تزعم أنّ عزيرا ابن الله تعالى! فأنزل الله هذه الآية) (٥)
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٢٩١٢). وابن أبي حاتم في التفسير : الأثر (١٠٠٤٢) ـ من تفسير المغيرة في جوابه لرستم لمعنى (الجزية) ـ.
(٢) أيضا نقله البغوي في معالم التنزيل : ص ٥٥١. قلت : وفي هذا القول مبالغة ، لا تتفق وعمومات الشريعة ، بل الغرض من الجزية في مفهوم ودلائل النصوص الشرعية في الباب ؛ ينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ٨ ص ١١٤ ـ ١١٥ : المسألة الحادية عشرة.
(٣) أخرجه عبد الرزاق في المصنف : كتاب أهل الكتاب : أخذ الجزية : الأثر (١٠٠٢٦) عن الزهري. ومجوس أهل هجر : هم أهل البحرين. والكلمة فارسية معناها : عبدة الفرس. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى : كتاب الجزية : باب المجوس أهل كتاب : الحديث (١٩١٦٩) عن سعيد بن المسيب مرسلا.
(٤) أخرجه عبد الرزاق في المصنف : كتاب أهل الكتاب : الأثر (١٠٠٢٥). والبيهقي في السنن الكبرى : الحديث (١٩١٦٧). وأصله في صحيح البخاري : كتاب الجزية : باب الجزية والموادعة.
(٥) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٢٩١٤). وابن أبي حاتم في التفسير : الحديث (١٠٠٤٣).