وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) (١٤) ؛ يعني بني خزاعة يوم فتح مكّة الذين قاتلهم بنو بكر ، (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ؛) بني خزاعة ، فشفى الله صدور بني خزاعة وأذهب غيظ قلوبهم ؛ أي كربها ووجدها.
وقوله تعالى : (وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ ؛) استثناء كلام الله ؛ أي يتوب الله على من يشاء من أهل مكّة فيهديه للإسلام ، (وَاللهُ عَلِيمٌ ؛) بجميع الأشياء ، (حَكِيمٌ) (١٥) ؛ في جميع الأمور.
قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ؛) معناه : إن ظننتم أيّها المؤمنون أن تتركوا على الإقرار والتصديق فلا تؤمروا بالجهاد ، قوله : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) أي ولمّا ير الله جهادكم حين تجاهدون ، ولمّا ير الله الذين لم يتّخذوا منكم من الكفار بطانة يفشون إليهم سرّهم وأمرهم. وكان الله تعالى قد علم أمرهم بالقتال ، من يقاتل ممّن لا يقاتل ، ولكنّه يعلم ذلك عيانا ، وأراد العلم الذي يجازى عليه وهو علم المشاهدة ؛ لأنه يجازيهم على عملهم لا على علمه فيهم.
والوليجة : المدخل في القوم من غيرهم ؛ من ولج شيء يلج إذا دخل. والخطاب في الآية للمؤمنين حين شقّ على بعضهم القتال وكرهوا ، فأنزل الله هذه الآية (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا) فلا تؤمروا بالجهاد وتمتحنوا به ؛ ليظهر الصادق من الكاذب ، والمطيع من العاصي ، وقال قتادة : (معنى وليجة أي خيانة) ، وقال الضحّاك : (خديعة) ، وقال ابن الأنباريّ : (الوليجة : الدّخيلة) ، وقال عطاء : (أولياء) ، قال الحسن : (كفر ونفاق) (١). وقيل : الوليجة : الرجل من يختص يدخله مودّة دون الناس ، يقال : هو وليجة وهم وليجة ، للواحد والجمع. قوله تعالى : (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (١٦) ؛ أي عالم بأعمالكم ، وفي هذا تهديد للمنافقين وعظة للمخلصين.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٢٨٥٤). وابن أبي حاتم في التفسير : الأثر (١٠٠٤٧).