قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٧٠) قال ابن عبّاس : (وذلك أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لمّا وضع الفداء على كلّ واحد من الأسارى أربعين أوقيّة من ذهب ، وجعل على عمّه العبّاس مائة أوقيّة ، قال العبّاس : أتجعل عليّ مائة أوقيّة وعلى عدوّك سهيل بن عمرو أربعين أوقيّة؟ قال : [نعم ؛ لقطعك الرّحم ولظلمك] قال : تركتني والله أسأل قريشا ما بقيت ، فكيف تترك عمّك يسأل النّاس بكفّه؟!
فقال صلىاللهعليهوسلم : [وأين الذهب الّذي أعطيته أمّ الفضل عند مخرجك؟ فقلت : إن حدث بي حدث في وجهي هذا فهو لك ولعبد الله وقثم وللفضل] قال : وما يدريك؟! قال : [أخبرني الله بذلك] فقال : أشهد أنّك صادق وأنّي لم أعلم أنّك رسول الله قطّ قبل اليوم ، وإنّي دفعت إليها الذهب ولم يطّلع عليه أحد إلّا الله ، وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله. فأسلم وأمر ابن أخيه أن يسلم ، فأنزل الله هذه الآية) (١).
ومعناها : يا أيّها النبيّ قل للعبّاس وعقيل وغيرهم من الأسارى : إن يعلم الله في قلوبكم رغبة في الإيمان وإخلاصا في النيّة ، يؤتكم خيرا مما أخذ منكم من الفدية. يجوز أن يكون المعنى : يخلف عليكم في الدّنيا ، ويجوز أن يكون : ويجازيكم في الآخرة.
وكان العباس أحد الثلاثة عشر الذين ضمنوا طعام أهل بدر ، فخرج معهم بعشرين أوقيّة من ذهب ليطعم بها الناس ، ولم تبلغه نوبة الإطعام حتى أسر وأخذ وهي معه فأخذوها منه ، فلما وضع النبيّ صلىاللهعليهوسلم على العبّاس الفداء مائة أوقيّة قال : (يا محمّد احتسب لي بالعشرين أوقيّة من فدائي). فأبى وقال : [أمّا شيء خرجت تستعين به علينا فلا أتركه لك].
فلمّا أسلم العباس كان إذا قرأ هذه الآية قال : (صدق الله ورسوله قد أعطاني خيرا ممّا أخذ منّي ، أبدلني مكان العشرين أوقيّة الّتي أخذت منّي عشرين مملوكا ،
__________________
(١) من رواية الكلبي ؛ أخرجه الواحدي في أسباب النزول : ص ١٦٢.