وعن ابن عبّاس أنه قال في هذه الآية : (وذلك أنّه لمّا قتل أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم سبعين وأسروا سبعين ، استشار النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أصحابه في أمر الأسارى ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله هم قومك ، فإن تقتلهم يدخلوا النّار ، ولكن فادهم فيكون الّذي تأخذ منهم قوّة للمسلمين ، ولعلّ الله يقلّب قلوبهم. وقال عمر : يا رسول الله ما أعلم قوما كانوا أشرّ لنبيّهم منهم فاقتلهم.
فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم برأي أبي بكر ، ثمّ ضرب لهما مثلا فقال : [مثل أبي بكر مثل إبراهيم عليهالسلام حيث قال (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١) ، ومثل عمر مثل نوح عليهالسلام حيث قال (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً)(٢)] ثمّ ضرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم الفداء على الأسارى.
فلمّا كان من الغد أنزل الله هذه الآية (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ...) إلى آخر الآيتين ، قال عمر : فدخلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعنده أبو بكر يبكيان ، فقلت : ما يبكيكما؟! حتّى الأرض إن وجدت بكاء لبكائكما بكت معكما ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [إنّما أبكي للّذي عرض عليّ أصحابك من أخذ الفداء] ، ثمّ قرأ عليهالسلام (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى)) (٣).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : (لمّا جيء بالأسارى يوم بدر قال صلىاللهعليهوسلم : [ما تقولون في هؤلاء؟] فقال أبو بكر : قومك وأهلك استبقهم لعلّ الله يتوب عليهم ، وخذ منهم فدية تكون لنا قوّة على الكفّار. وقال عمر : يا رسول الله كذبوك وأخرجوك ، قدّمهم واضرب أعناقهم ، ومكّن عليّا من عقيل فيضرب عنقه ، ومكّنّي من فلان ـ بسبب له ـ فأضرب عنقه ، فإنّ هؤلاء أئمّة الكفر. فسكت النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقال أناس : نأخذ بقول أبي بكر ، وقال ناس : نأخذ بقول عمر ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [إنّ الله ليليّن قلوب رجال حتّى تكون ألين من اللّبن ، وإنّ الله ليشدّ قلوب رجال حتّى تكون أشدّ من الحجارة ، وإنّ مثلك يا أبا بكر مثل عيسى قال (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ
__________________
(١) ابراهيم / ٣٦.
(٢) نوح / ٢٦.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٢٦٥٥ و ١٢٦٥٦). وابن أبي حاتم في التفسير : الحديث (٩١٥٠ ٩١٥١).