قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) (٥٩) ؛ أي لا تظنّنّ يا محمّد أن من أفلت من الكفار من هذه الحرب قد سبق إلى الحياة. ويقال : لا تحسبنّ يا محمّد أنّ أعداءك من الكفار المشركين ربما يقولون لك بأن لا يظفرك الله عزوجل بهم ، بل الله تعالى يظهرك عليهم ويظفرك.
وقرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة وحفص بالياء على معنى لا تظنّنّ هؤلاء المشركين إنّ من مات منهم فقد فات من الله عزوجل ، وأنّ الله لا يبعثه يوم القيامة ولا يعاقبه. وقرأ أهل الشام : (أنّهم لا يعجزون) بالفتح ، وتكون (لا) صلة تقديره : ولا تحسبنّ الذين كفروا سبقوا أنّهم لا يعجزون ؛ أي لا يفوتون. وقيل معناه : لأنّهم ، وقرأ عامّة القرّاء بالكسر على الابتداء (١).
وقوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ؛) أي أعدّوا للكفار ما استطعتم من آلات الحرب. وعن ابن عبّاس وعقبة بن عامر ؛ قال : قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم على المنبر (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) ثمّ قال : [ألا إنّ القوّة الرّمي ، ألا إنّ القوّة الرّمي ، لهو المؤمن في الخلاء وقوّته عند اللّقاء](٢). ومات عقبة فأوصى بتسعين قوسا مع كلّ قوس سهامها في سبيل الله ، وقال عقبة : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [إنّ الله ليدخل الجنّة الثّلاثة سهم واحد ، صانعه يحتسب في صنعته الخير ، والمهدي له ، والرّامي به](٣) وقال عليهالسلام : [كلّ شيء يلهو به الرّجل باطل ، إلّا رمية بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله ، فإنّهنّ من الحقّ](٤).
__________________
(١) ينظر : الحجة للقراءات السبعة : ج ٢ ص ٣٠٥ ـ ٣٠٦.
(٢) رواه المسلم في الصحيح : كتاب الإمارة : باب فضل الرمي والحث عليه : الحديث (٢١٧ / ١٩١٧). وأخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٢٥٩٩) مرسلا ، والحديث (١٦٠٠) موصولا بأسانيد عديدة. وعند أبي داود في السنن : الحديث (٢٥١٤). والترمذي في الجامع : الحديث (٣٠٨٣).
(٣) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : ج ١٧ ص ٢٩٠ : الحديث (٩٣٩). وفي مجمع الزوائد : ج ٤ ص ٣٢٩ ؛ قال الهيثمي : ((رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات)) وهو مخرج عند الترمذي في الجامع : الحديث (١٦٣٧). وابن ماجة في السنن : الحديث (٢٨١١).
(٤) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : الحديث (٩٤١ و ٩٤٢). والترمذي في الجامع : كتاب الجهاد : باب ما جاء في فضل الرمي : الحديث (١٦٣٧ ١٦٣٨) واللفظ له ؛ وقال : حديث حسن.