وقال ابن عبّاس : (فشرّد بهم ؛ أي نكّل بهم من وراءهم) (١) ، وقال ابن جبير : (أنذر بهم من خلفهم) (٢). وقيل : اقتلهم قتلا ، وقيل : أثخن فيهم القتل حتى يخافك غيرهم من أهل مكّة وأهل اليمن. وقال القتيبيّ : (سمّع بهم) ، وقرأ ابن مسعود (فشرّد) بالذال المعجّمة وهما واحد (٣). وقال قطرب : (التّشريد بالدّال : التّنكيل ، وبالذال : التّفريق) (٤). قوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) أي لكي يعتبروا فلا ينقضوا العهد الذي بينك وبينهم مخافة أن يحلّ بهم مثل ما حلّ ببني قريظة.
قوله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ؛) أي إذا خفت من قوم بينك وبينهم عهد وخيانة في ذلك العهد من غدر بالمسلمين ، أي علمت أنّهم يفعلون ذلك بالمسلمين خفية من غير أن يظهر نقض العهد ، فانبذ العهد إليهم على سواء منك ومنهم في العلم ، ولا تبدأهم بالقتال من قبل أن تعلمهم إعلاما بيّنا بأنّك نقضت العهد.
والمعنى : إمّا تعلمنّ يا محمّد من قوم معاهدين لك نكث عهد ونقض عهد يظهر لك من آثار الغدر والخيانة كما ظهر لك من بني قريظة والنّضير ، فانبذ إليهم ؛ أي فاطرح إليهم عهدهم على سواء ؛ أي أخبرهم وأعلمهم قبل حربك إياهم أنّك فسخت العهد بينك وبينهم ، حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم بأنّك لهم محارب ، فيأخذوا للحرب أهبتها وتبرأ من الغدر. وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) (٥٨) ؛ أي لا يرضى عمل الذين يخونون بالبدأة بالقتال من غير إعلام بنقض العهد.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٢٥٨٨).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٢٥٩١).
(٣) في اللباب في علوم الكتاب : ج ٩ ص ٥٤٧ ؛ قال : ((قال شهاب الدين : وقد تقدم أن النّقط والشّكل أمر حادث ، أحدثه يحيى بن يعمر ، فكيف يوجد ذلك في مصحف ابن مسعود؟!)).
(٤) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٨ ص ٣١ ؛ قال القرطبي : ((حكاه الثعلبي ، وقال المهدوي : الذال لا وجه لها ، إلا أن تكون بدلا من الدال المهملة لتقاربهما ، ولا يعرف في اللغة (فشرّذ).)).