قوله عزوجل : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ ؛) قرأ الحسن : (الّذي في قلوبهم مرض هم المشركون). وقيل : هم أناس كانوا قد تكلّموا بكلمة الإيمان حين كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم بمكّة من دون علم منهم بأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيكون معنى قوله : (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي شكّ ، وهم الذين لا عزيمة لهم في الكفر ولا في الإسلام ، ولم يكونوا أعداء النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
قوله تعالى : (غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) قال ابن عباس : (لمّا نفر المشركون من مكّة إلى بدر ولم يخلفوا بمكّة أحدا قد احتلم إلّا خرجوا به ، وأخرجوا معهم أناسا كانوا قد تكلّموا بالإسلام بمكّة ، فلمّا التقوا ورأوا قلّة المسلمين وكثرة المشركين ، ارتابوا ونافقوا وقالوا لأهل مكّة : غرّ هؤلاء دينهم ، يعنون المسلمين غرّهم دينهم حين خرجوا مع قلّتهم إلى قتال المشركين مع كثرتهم). فقتل هؤلاء مع المشركين يومئذ ، وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم ، كما ذكر الله بعد هذه الآية (١).
قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ؛) أي ومن يثق بالله في جميع أموره ، (فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ؛) بنصره على عدوّه ولو كثر عدده ، (حَكِيمٌ) (٤٩) يضع الأمور مواضعها.
قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ ؛) أي لو ترى يا محمّد حين يقبض الملائكة أرواح الكفّار ببدر يضربون على وجوههم بالأعمدة ، وعلى أدبارهم يقولون لهم : (وَذُوقُوا ؛) بعد السّيف في الدّنيا ، (عَذابَ الْحَرِيقِ) (٥٠) ؛ في الآخرة.
وقوله تعالى : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ؛) أي ذلك العذاب الذي عاينتموه بكفركم وخيانتكم ، والخيانة إذا أضيفت إلى الإنسان أكّدت بذكر اليد في العادة. وقوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٥١) ؛ أي اعلموا أنّ الله لا يعذّب أحدا بجرم أحد ، ولا يعذّب أحدا بغير ذنب. وموضع (أنّ) نصب بنزع الخافض عطفا على قوله (بِما قَدَّمَتْ) تقديره : وبأنّ الله ، وكان الحسن إذا قرأ هذه
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم : ج ٥ ص ١٧١٦ : الأثر (٩١٦٨).