يستوجب العفو الفتى إذا اعترف |
|
ثمّ انتهى عمّا أتاه واقترف |
لقوله (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ.)
قوله تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ؛) أي قاتلوا كفّار مكّة حتى لا يكون شرك. وقيل : حتى لا يكون كافر بغير عهد ؛ لأن الفتنة إنما تكون بأن يترك الكفّار بلا عهد ، فإنّ الكافر بغير عهد يكون عزيزا في نفسه يدعو النّاس إلى دينه. ويجوز أن يكون المراد بالفتنة كلّ ما يؤدّي إلى الفساد.
وقوله تعالى : (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ؛) أي وتكون الطاعة كلّها لله ، فتجتمع الناس على دين الإسلام. وقوله تعالى : (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٣٩) ؛ أي فإن انتهوا عن الشّرك فإنّ الله يجازيهم جزاء البصير بأعمالهم. (وَإِنْ تَوَلَّوْا ؛) أي أعرضوا عن طاعة الله ، (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ ؛) أي ناصركم ، (نِعْمَ الْمَوْلى ؛) نعم الحافظ والوليّ ، (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (٤٠) ؛ منصركم عليهم.
قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ؛) حتى الخيط والمخيط ، قال ابن عبّاس : (كان خمس الغنيمة يقسم على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم على خمسة أسهم ، سهم لله ورسوله ، وواحد كان النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يعطي فيه المحتاج والضّعيف ويجعله في عدّة المسلمين من السّلاح ونحوه ، وسهم لذوي قرابة النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وسهم ليتامى المسلمين عامّة ، وسهم لمساكين المسلمين ، وسهم لابن السّبيل. ثمّ قسمه أبو بكر بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، على ثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وابن السّبيل ، وكذلك فعل عمر ثمّ عثمان ثمّ عليّ رضي الله عنهم) (١).
وبهذا أخذ أبو حنيفة وأصحابه ؛ قالوا : إنّ قوله تعالى (لِلَّهِ خُمُسَهُ) لافتتاح الكلام باسمه تعالى على طريق التبرّك ، لا لأنّ لله نصيبا من الخمس ، فإنّ الدّنيا
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٢٤٩٦) عن ابن عباس مختصرا ، وتمامه كما في الأثر (١٢٤٩٢) عن قتادة ، والأثر (١٢٤٩٤) عن عطاء ، والأثر (١٢٤٩٥) عن أبي العالية الرياحي.