وقوله تعالى : (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (٣٨) ؛ معناه : أنّ الطيور والدوابّ يجمعون مع سائر الخلق يوم القيامة للحساب والجزاء ، كما روي في الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : [إنّ الله تعالى يحشر الخلق كلّهم يوم القيامة ؛ والبهائم والدّوابّ والطّير وكلّ شيء ؛ فيبلغ من عدل الله تعالى يومئذ أن يأخذ للجمّاء من القرناء ، فإذا ميّز بين أهل الجنّة والنّار ؛ قال للبهائم والوحوش والطّيور : كونوا ترابا تستوي بكم الأرض ، فتكون ترابا ، فعند ذلك يتمنّى الكافر فيقول : يا ليتني كنت ترابا](١).
والمراد بهذا الإفناء للبهائم بعد أن أحياها أنه إفناء لا يكون فيه ألم.
قوله عزوجل : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ) ؛ معناه : الذين جحدوا بمحمّد صلىاللهعليهوسلم والقرآن صمّ عن الخير لا يسمعون الهدى ، خرس لا يتكلمون بخير ؛ أي يكون حالهم كحال الأصمّ الأبكم. وحذف التشبيه من قوله : (صُمٌّ وَبُكْمٌ) على جهة المبالغة في الوصف ، كما يقال في وصف القوم بالبلادة : هؤلاء حمر.
قوله : (فِي الظُّلُماتِ) أي في ضلالات الكفر في ظلمة السّمع والبصر والقلب ، (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ ؛) أي من شاء الله يتركه في ضلالة الكفر ، فلا يخرجه منه ، (وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣٩) ؛ ومن يشأ يرشده ويوفّقه للإسلام فيثبّته على ذلك حتّى يموت عليه ، ويقال : معناه : من يشأ الله يضلله في الآخرة عن طريق الجنّة إلى طريق النّار ، ومن يشأ يجعله على طريق الجنّة.
قوله عزوجل : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) ؛ أي قل يا محمّد لأهل مكّة : أرأيتم ، والكاف زائدة في بيان الخطاب للتأكيد كما في (ذلك) و (أولئك). والمعنى : قل أرأيتم إن أتاكم عذاب الله ، كما أتى الأمم الماضين قبلكم المكذبين لرسلهم ، أو أتتكم القيامة بأهوالها وشدائدها. ويقال : أراد ب (السَّاعَةُ) الوقت الذي يصعق فيه العباد ، فيموتون كلّهم.
__________________
(١) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٦ ص ٤٢١ ؛ قال القرطبي : ((قول أبي هريرة فيما روى جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عنه)) وأخرجه الطبري في جامع البيان : النص (١٠٢٩٨) موقوفا.