قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ؛) أي قال كفّار قريش : لو لا نزّل على محمّد علامة لنبوّته من ربه ؛ يعنون الآيات التي كانوا يقترحونها ، (قُلْ ؛) يا محمّد ؛ (إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) ؛ على ما تقترحونها أنتم ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٣٧) ؛ ما عليهم من المضرّة في إنزال هذه الآية ، إذ الحكمة تقتضي التعذيب بعذاب الاستئصال لمن كفر بعد إنزال الآية المقترحة.
قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ؛) أي ما من دابّة تدبّ وتتحرّك على وجه الأرض ، ولا طائر يطير بجناحيه في الهواء ، إلا أمم أمثالكم ، في الفقر والفاقة والحاجة إلى مدبر يدبرهم في أغذيتهم وأكنّتهم وهدايتهم إلى مراشدهم ومصالحهم.
وقيل : معناه : إلا أمم أمثالكم في الخلق والرزق والموت والبعث ؛ لأنه قال : (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) فيكون معناه : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) في أنّ الله يميتها ويبعثها للجزاء. وقيل : معناه : (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) يفقه بعضه عن بعض ، كما يفقه بعضكم عن بعض.
وذكر الجناحين في الآية على جهة التّأكيد ؛ لأنه يقال : طار فلان في الأمر ؛ أي أسرع ، وفلان طير من الطّيور ؛ لسرعته في الأمور. وقيل : ذكر الجناحين في الآية لبيان أنّ المراد به الطير.
قوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) ؛ معناه : ما تركنا في اللّوح المحفوظ شيئا إلا كتبناه فيه. ويقال : ما تركنا بيان شيء في القرآن فيما يحتاجون إليه من أحكام الدّين والدّنيا ، بل قد بيّنّا في الكتاب كلّ شيء إما مفصّلا أو مجملا ، أما المفصّل كقوله تعالى : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ)(١) وأما المجمل كقوله : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(٢).
__________________
(١) المائدة / ٤٦.
(٢) الحشر / ٧.