قوله تعالى : (فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ؛) أي الزّلزلة الشديدة عند الجبل ، (قالَ ؛) موسى : (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ ؛) أن حملتهم إلى الميقات ، وأهلكتني معهم بقتل القبطيّ ، وظنّ موسى أن الرجفة إنّما أخذتهم بسبب عبادة بني إسرائيل العجل ، فقال : (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) ثم قال : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ ؛) يعني ما عبادة العجل إلّا بليّتك إذ صار الروح في العجل ، (تُضِلُّ بِها ؛) بالفتنة ، (مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ.)
قوله تعالى : (أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا ؛) أي أنت ناصرنا وحافظنا ومتولّي أمورنا فاغفر لنا ذنوبنا وارحمنا ولا تعذّبنا ، (وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) (١٥٥).
وقيل : إنّ موسى عليهالسلام لمّا هلك السّبعون ، جعل يبكي ويقول : يا رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم ، وقد أهلكت خيارهم؟ فبعثهم الله كما قال : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ)(١) وقد تقدّم تفسير ذلك في البقرة.
قوله عزوجل : (وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً ؛) يعني العلم والعبادة ، وقوله تعالى : (وَفِي الْآخِرَةِ ؛) أي واكتب لنا في الآخرة حسنة وهي الجنّة. قوله تعالى : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ ؛) أي أنبنا ورجعنا بالتوبة ، يقال : هاد يهود ؛ إذا رجع ، ولم يؤخذ اسم اليهود من هذا ، وإنما أخذ من تهوّد.
قوله تعالى : (قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ ؛) من عبادي ممّن هو أهل لذلك ، (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ؛) يعني وسعت البرّ والفاجر. قال ابن عبّاس : (لمّا نزلت هذه الآية تطاول لها إبليس وقال : أنا شيء من الأشياء ، فأخرجه الله من ذلك بقوله : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ)) أي سأوجبها للّذين يتّقون الشّرك والمعاصي ، (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) (١٥٦) (٢).
فقالت اليهود والنّصارى : نحن نتّقي ونؤتي الزّكاة ونؤمن بآيات ربنا ، فأخرجهم الله منها بقوله : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ؛)
__________________
(١) البقرة / ٥٦.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٨٠٥).