قوله تعالى : (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ ؛) لا تفرّحهم عليّ ولا تظنّ أنّي رضيت بفعل القوم الظالمين ، (وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (١٥٠) ؛ فلا تجعلني مع عبدة العجل في الغضب عليّ ، وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين ، وأحبّ إلى بني إسرائيل من موسى.
قرأ ابن عبّاس والكوفيّون إلّا حفصا (يا ابن أمّ) بكسر الميم هنا ، وفي طه فحذفوا ياء الإضافة ؛ لأنّ مبنى النداء على الحذف ، وبقيت الكسرة على الميم دليلا على ياء الإضافة كقوله (يا عباد ، ويا قوم) ، وقرأ ابن السّميقع (يا ابن أمّي) باثبات الياء ، وقرأ الباقون بفتح الميم على معنى يا ابن أمّاه (١).
وقوله تعالى (اسْتَضْعَفُونِي) بعبادة العجل ، وقوله تعالى : (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ ،) قرأ مجاهد ومالك بن دينار : (فلا تشمت) بفتح التاء والميم (٢) ، ورفع (الأعداء) ، والشّماتة هي سرور العدوّ.
فإن قيل : لم جاز لموسى أن يجرّ برأس هارون ولحيته ، والانبياء لا يجوز لأحد أن يستخفّ بهم ، وكان هارون نبيّا؟ قيل : إنّ هذا كان منه على جهة العتاب لا على جهة الهوان. وقيل : لأنه أجراه مجرى نفسه من حيث أنّهما كانا في النبوّة والأخوّة كالنفس الواحدة ، وقد يقبض الإنسان عند الغيظ على لحية نفسه ، ويعضّ إبهاميه وشفتيه ، كما روي (أنّ عمر رضي الله عنه كان إذا حزبه أمر فتل شاربه).
إلّا أنّ هارون خاف أن يتوهّم جهّال بني إسرائيل أنّ موسى غضبان عليه كغضبه على من عبد العجل ، فقال : (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي ...) الآية. وقيل : إنّ موسى فعل هذا بهارون في حالة الغضب التي لا يملك الإنسان فيها نفسه ، وكان ذلك صغيرة منه ، كما ألقى الألواح لشدّة الغضب ، وكان الواجب عليه أن يعظّمها.
قوله تعالى : (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي ؛) ما كان منه من التقصير في ردّ القوم عن عبادة العجل ، (وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ ؛) أي في جنّتك ، (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (١٥١) ؛ أي أرحم بنا منّا ، وأرحم بنا من أبنائنا وأمّهاتنا.
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ٧ ص ٢٩٠.
(٢) ينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ٧ ص ٢٩١.