قوله تعالى : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ ؛) أي العذاب ، (إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ ؛) وهو الوقت الذي علم الله من حالهم أن صلاح غيرهم مقالهم إلى ذلك الوقت ؛ يعني وقت الغرق ، وقوله تعالى : (إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) (١٣٥) يعني ينكثون العهد.
وقوله تعالى : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا ؛) وذلك أن الله تعالى أمر موسى أن يخرج ببني إسرائيل ، فاستعار نسوة بني إسرائيل من نساء آل فرعون حليّهم ، وقلن : إن لنا خروجا إلى عيد. فخرج موسى ببني إسرائيل في أوّل الليل ، وهم ستمائة ألف من رجل وامرأة وصبيّ ، فبلغ الخبر فرعون ، فركب ومعه ألفا ألف ومائتا ألف ، فأدركهم فرعون حين طلعت الشمس ، وانتهى موسى إلى البحر ، فضرب البحر ؛ فانفلق اثنا عشر طريقا ، وكانت بنو إسرائيل اثنا عشر سبطا ، فعبر كلّ سبط طريقا.
فأقبل فرعون ومن معه ، فدخلوا بعدهم من حيث دخلوا ، فلما صاروا جميعا في البحر ، أمر الله البحر فالتطم عليهم فغرقوا ، فقال بنو إسرائيل لموسى أن يريهم فرعون ، فدعا ربّه فلفظهم البحر ولفظ فرعون ، فنظروا إليه وإلى من معه ، فلا يقبل الماء غريقا بعد ذلك أبدا ، ورجع موسى ببني إسرائيل ، فسكنوا الأرض أرض مصر.
ومعنى قوله : (فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ) أي في البحر بلسان العبرانيّة. وقوله تعالى : (بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي بتكذيبهم الآيات التّسع التي أتاهم بها موسى : اليد ؛ والعصا ؛ والسّنون ؛ ونقص الثمرات ؛ والطوفان ؛ والجراد ؛ والقمل ؛ والضفادع ؛ والدم. قوله تعالى : (وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) (١٣٦) ؛ أي عاقبناهم بتعرّضهم لأسباب الغفلة.
وقوله تعالى : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ) التي كانوا فيها ، (وَمَغارِبَهَا ؛) معناه : أورثنا القوم الّذين كانوا يستضعفونهم القبط ؛ وهم بنو إسرائيل مشارق الأرض التي كانوا فيها ومغاربها. وقيل : أراد بهذه الأرض الأرض المقدسة : الأردنّ وفلسطين ، (الَّتِي بارَكْنا فِيها ؛) بارك الله فيها